غير مصنفة

الكونغو.. أرض الثروات المنهوبة وإراقة الدماء

دان سنو*

جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أغنى البلدان على الأرض، ولكن الاستعمار والعبودية والفساد حولتها إلى أحد أفقر بلدان العالم.
لا تزال النزاعات الدموية في الكونغو تحتدم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. وهذه حروب قتل فيها أكثر من خمسة ملايين شخص، بينما يعاني ملايين السكان من الجوع والأمراض. وفوق كل ذلك، تعرضت ملايين النساء والفتيات للاغتصاب.
والكونغو بلد أنعمت عليه الطبيعة بكل أنواع المواد الخام، ومع ذلك يبقى دائماً في أدنى قائمة مؤشر التنمية البشرية الذي تعده الأمم المتحدة.
وقد ذهبت إلى الكونغو في الصيف الفائت لكي أستكشف هذا البلد الذي يعاني عنفاً وفوضى لا يمكن تصورهما. وخلال تجوالي في الحاضر الذي يشهد نزاعات وحروب، راجعت تاريخ الكونغو الدموي – وكانت هذه التجربة هي الأكثر رعباً خلال حياتي المهنية.
وفي هذا البلد الذي يكافح فيه الناس من أجل البقاء، التقيت ضحايا اغتصاب، ومتمردين، وسياسيين متعجرفين، ومواطنين مرعوبين. والكونغو الحالي هو نتاج مباشر لقرارات وأعمال قوى استعمارية على مدى القرون الخمسة الماضية.
في أواخر القرن الخامس عشر، سيطرت أمبراطورية عرفت باسم مملكة الكونغو على كل غرب البلاد، وعلى بعض أراض تشكل الآن أجزاء من بلدان مجاورة. وكانت تلك إمبراطورية مزدهرة، ولكن عندما وصل تجار برتغاليون من أوروبا، أدركوا أنهم وصلوا إلى أرض تحوي ثروات طبيعية هائلة، وموارد غنية -خصوصاً منها البشر، الذين سرعان ما أصبحوا ضحايا تجارة الرق الأوروبية. وفعل البرتغاليون كل ما بوسعهم لتدمير أي قوة سياسية محلية يمكن أن تعيق تجارتهم بالمواد الخام والبشر على السواء.
وأشعل البرتغاليون تمردات حولت البلد إلى مرتع للفوضى وإراقة الدماء. وبحلول القرن السابع عشر، كان حوالي 400 مليون إنسان قد تم بيعهم في أسواق العبودية. والكونغو بلد شاسع تعادل مساحته أوروبا الغربية، وينعم بفيض هائل من المياه، وأراض خصبة، والكثير جداً من مكامن الذهب، والألماس، والنحاس، والكوبالت، واليورانيوم، والبترول، والكثير من معادن وثروات أخرى. ولكن سكان البلد بقوا بائسين.
وعندما حل المستعمرون البلجيكيون محل البرتغاليين، عاملوا سكان الكونغو بوحشية مرعبة، وأعلنوا ضم البلد. وبينما كانت تجارة المواد الأولية تزدهر، كان العمال يعانون ظروفاً رهيبة وهم يستخرجون المواد التي غذت الإنتاج الصناعي في أوروبا وأمريكا.
وفي الحرب العالمية الأولى، اقتيد رجال من الكونغو إلى الجبهات، حيث كانوا يقتلون بأسلحة وقذائف صنعت من معادن الكونغو. وفي الحرب العالمية الثانية، كان اليورانيوم الذي استخدم في صنع القنبلتين النوويتين اللتين دمرتا هيروشيما وناغازاكي قد جاء من مناجم الكونغو. وبينما كان الغرب يدافع عن حرياته بموارد كونغولية، كان الكونغوليون محرومين من أبسط الحريات السياسية، ولم يستطع سوى بعض قليل منهم تحصيل تعليم أولي بسيط.
وعندما حصل الكونغو على الاستقلال في 1960، تعرض لكارثة دموية مرعبة نتيجة لتدخلات القوى الغربية وتنافسها الشرس على ثروات البلد. ومن بين حوالي 5000 وظيفة حكومية قبل الاستقلال، كان هناك ثلاثة كونغوليين فقط يتولون مثل هذه الوظيفة، في حين لم يكن هناك أي طبيب، أو مهندس، أو محام، أو اقتصادي كونغولي.
وتفاقمت محنة الكونغو خلال الحرب الباردة، ووقع الزعيم الوطني المناضل من أجل الاستقلال والتقدم باتريس لومومبا ضحية الاغتيال، ليتسلم السلطة الرجل العسكري القوي الموالي للغرب موبوتو سيسي سيكو، الذي أقام نظاماً ديكتاتوريا وحول بلده إلى شبه مستعمرة غربية استمر نهب ثرواتها – وإن بطرق أخرى. وفي الوقت ذاته، أخذ موبوتو وأفراد عائلته وأصدقاؤه والمقربون منه يستنزفون مليارات الدولارات من ثروات البلاد.
وتعرض المعارضون للتنكيل والتعذيب والاغتيال، في حين كان وزراء ينهبون ميزانيات وزارات بأكملها.
ولكن في أواخر أيام موبوتو، كان الكونغو قد أصبح دولة منهارة تفتقر حتى لنظام رعاية صحية. وبعد وفاته، ظهرت مئات من المجموعات المسلحة التي أخذت ترتكب فظاعات أودت بأرواح ملايين الناس.
وقبل عقد، تم إقرار سلام هش رعته الأمم المتحدة، التي أرسلت قوات حفظ سلام إلى بلد لم يعرف يوماً السلام.

*مؤرخ وكاتب بريطاني – موقع محطة الـ «بي بي سي»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى