اللامساواة تسود أمريكا
جيم هايْتوَر*
التفاوتات الهائلة في الاقتصاد، لا تحدث بمحض الصدفة؛ بل بتصميم متعمَّد، كما يقول جيم هايتاوَر.
عدم المساواة لا ينبع من فراغ؛ بل يتم خلقه عن قصد بقرارات تتخذها النُخَب- في العادة وراء أبواب مغلقة؛ لكي لا يعرف الصَّرعى، ما (أو مَن) صرَعهم.
خُذ على سبيل المثال، عمّال أمريكا في مجال الوجبات السريعة، البالغ عددهم 4 ملايين عامل، الذين يتراوح معدل أجورهم حول مبلغ بائس لا يتجاوز 300 دولار في الأسبوع، قبل خصم الضرائب.
مع تضييق سوق العمل، لماذا لا يبادرون إلى الانتقال إلى عملٍ يقدّم عرضاً أفضل؟ كثيرون يحاولون ذلك؛ ليجدوا أنفسهم يُرفضون المرة تلو الأخرى، غير مدركين أن معظم سلاسل الأطعمة السريعة تخبِّئ في ثنايا عقود العمل معها «اتفاقات عدم توظيف»، تحظر على الشركة توظيف مستخدَمي شركات أخرى.
في دراسة بارزة أجريت هذا العام، وجد اثنان من خبراء الاقتصاد البارزين في جامعة برنستون، أن هذه القيود السرّية على المنافسة في الأجور، تُستخدم من قِبل أكثر من 70 ألف سلسلة مطاعم. ومن خلال التواطؤ؛ لمنع ملايين الأمريكيين من تغيير وظائفهم لزيادة دخلهم وتحسين فُرصهم، أبقت هذه الشركات العملاقة، بشكل مصطنع، أجور العاملين في مجال الوجبات السريعة، والعديد من موظفي المحال، التي تملك امتياز بيع منتجات تلك الشركات، عند مستويات الفقر. وهذا هو أحد منابع عدم المساواة- وهو لا أمريكي بكل ما في الكلمة من معنى.
وماذا عن الناس الذين يزرعون عملياً الغذاء الذي نأكله؟ كيف يعامَلون من قِبل القابضين على زمام الأمور، ولا يعرفهم أحد؟ في كل عقد من الزمان أو نحوه، تفاجأ وسائل الإعلام الجماعي في أمريكا، باكتشاف أن عمال المزارع المهاجرين، لا يزالون يتلقون أجوراً بائسة، ويعامَلون بازدراء من قِبل الصناعة، التي تجني الفوائد من شُغلهم. تدور القصص والأخبار، ويغضب الجمهور (مرة أخرى)، ويتعهد مسؤولون متنوّعون بالعمل، ثم… لا شيء يجري، ولا يحدث أيّ تغيير.
وها هي الأمور تعيد نفسها. فقد وثّقت تقارير إخبارية عدة في الشهور الأخيرة، ما يجري من سوء استغلال مستمر، ومُخز لهذه الأسَر الكادحة، التي تكابد المشقات في ارتحالها. وقد كشف تقرير لصحيفة «لوس انجلوس تايمز»، أن العديد من العمال الزراعيين، حتى لو كانوا يتقاضون الحدّ الأدنى القانوني من الأجور، يكسبون أقل من 17500 دولار، في العام؛ بسبب رواتبهم القريبة من مستوى الفقر، والطبيعة الموسمية لعملهم. وعلاوة على ذلك، غالباً ما يجري «إيواؤهم» في أكواخ، وأقنان دجاج قديمة، وحاويات شحن، وموتيلات بائسة. ومع ذلك؛ نظراً للتخفيضات في ميزانية السلطة التشريعية في ولاية تكساس، أنفقت الوكالة المسؤولة عن مساكن المهاجرين المأمونة والصحية مبلغاً إجمالياً قدْره 2476 دولاراً، على عمليات التفتيش في عام 2015. ولم تفرض الوكالة أي غرامات على انتهاكات السكن منذ عام 2005؛ «ونتيجة لذلك»، كما ذكرت صحيفة «اوستن أميريكان ستيتسمان»، «فإن ما يُقدر بـ 9 من كل 10 عمال المزارع المهاجرين في تكساس، يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مساكن مرخصة، تلبّي الحدّ الأدنى من معايير الصحة والسلامة، التي تشترطها الولاية والقانون الاتحادي».
مع ذلك، تتحد المصالح التجارية الزراعية من ولاية فلوريدا إلى ولاية كاليفورنيا، في الضغط؛ من أجل معونة جديدة؛ لكن ليس للعمال؛ بل لأنفسها! وعلى الرغم من أن مصالح الأعمال التجارية الزراعية، كانت مؤيدة لترامب؛ (حيث منحت لجان العمل فيها ترامب من المال أكثر من أي مرشح آخر)، فإن كثيرين في هذه الصناعة يعبرون عن الصدمة من أنه قد ينوي فعلياً تحقيق وعده الانتخابي، بوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، الذين يشكلون، كما تعترف هذه الأعمال الآن، نحو 70% من القوى العاملة في هذه الصناعة). ولذلك هُرعوا إلى واشنطن، مطالبين بشكل محموم بإعفاء خاص من هذا المنع الذي يعتزم الرئيس تطبيقه على العمال المكسيكيين. وفي غضون هذه العملية، أصبحوا فجأة يصفون المهاجرين، الذين كانوا يسيئون معاملتهم بقسوة بالغة، بأنهم موظفون شرفاء، ولا بُدَّ منهم؛ للأمن الغذائي في الولايات المتحدة.
*معلق إذاعي أمريكي وطني، وكاتب ومتحدث عام ومؤلف. موقع:«كومون دريمز»