مقالات ادارية
اللقاء التعريفي المهم
طلال الجديبي
مع زخم التحول وارتفاع سقف الطموحات أصبحت اللقاءات التعريفية في كل مكان. وهذا أمر متوقع، فكل جهة لديها من الجديد الذي لا نعرف من تفاصيله القدر اللازم لنجاحه، فتبدأ رحلة التعريف والتسويق رغبة منها في تحقيق التفاعل المطلوب والنتيجة المرجوة. رأينا وسمعنا أخيرا عن لقاءات تعريفية للضرائب والتصدير والإسكان والصحة، وربما نسمع لاحقا عن أخرى في التعليم والتصنيع والادخار. ولكن هل تعمل هذه اللقاءات كما يجب؟ وهل نحتاج إليها للمبادرات الجديدة فقط؟ لا تعمل اللقاءات التعريفية وحدها، بل هي بحاجة إلى سياق متكامل من العناصر التعريفية. لن أتدخل في عمل المتخصصين في آليات التأثير، إلا أن صنع الفارق التوعوي يحدث بعدد من الأدوات التي يجب أن تصمم بطريقة جيدة تتكامل فيها سويا لإحداث الفارق، وهذا فعليا ما ينتظره المتلقي. وإلا ما الفائدة من لقاء جاف منفرد سرعان ما ينسى الحضور حضوره؟ ولن يتذكر بطبيعة الحال أي منهم تفاصيله. لهذا أتساءل كيف تعتقد الجهة أنها أكملت المهمة في الجانب التعريفي والتوعي وهي لم تصنع مادة ملائمة ومتاحة خارج وقت اللقاء لمساندة موضوعه؟ وكيف يحدث أن نسمع عن لقاء ولا نرى أثره المكتوب والموثق في مكان ما، باستثناء ما يجتهد به بعض الصحافيين، فلا تقرير رسميا ولا خلاصة منشورة ولا مسودة بالأفكار والملامح. هذا يُنتج في نهاية الأمر عكس ما تريده الجهة، فبسبب تدني جودة النقل وتحرير الملاحظات تخرج للإعلام مرئيات مغلوطة عن موضوع اللقاء، وبالطبع لغياب التوثيق الرسمي من صاحب الشأن يصعب التحقق من الموضوع. والأمر لا يستحق كل هذه التعقيدات، فإن جودة عمل الجهة الراعية للقاء في هذا الجانب تحل كل الإشكالات. من المفترض كذلك أن يكون اللقاء التعريفي مجرد جزء من برنامج أو حملة توعوية متكاملة ومتناسقة وليس العنصر الوحيد في الحملة، ويتم ضمن البرنامج تحديد الفئات المستهدفة ومستوى الإثراء والتأثير المستهدف إضافة إلى الوسائل المستخدمة والتوقيت والأسلوب. كيف ينجح تطبيق نظام جديد وهناك فئة مهمة جدا ولكن مغيبة بالكامل عن الخطة التوعوية؟ هل يعقل، على سبيل المثال، أن تتم التوعية عن نظام جديد للحركة المرورية بحضور شركات التأمين وإدارة الطرق مع غياب السائقين؟ أو دعوة الجهات التي تمرر ضريبة القيمة المضافة والاستشاريين وعدم لقاء المستهلكين دافعي الضريبة وتوعيتهم؟ قد لا تتم دعوتهم للقاء نفسه باعتبار أن المنظور المستهدف يختلف حسب الفئة، ولكن لن تنجح أي مبادرة يختلف فيها مستوى الوعي بشكل جذري بين المشاركين والمستفيدين. الجانب الآخر المهم في مسألة اللقاءات التعريفية يختص بالجانب الثقافي للمتلقي . من غير المناسب مثلا أن يحاضر أحدهم لأفراد لا يطيقون الجلوس في قاعة المحاضرات، أو أن تطرح المادة المعنية في نص مقروء يتطلب ساعات من التركيز والقراءة الجدية، لن يقوم بذلك أحد وإن حصل فلن يحدث بالمستوى المطلوب. مجتمعنا يحب تداول القصص ومشاهدة المقاطع المرئية، لتتحول إذن المادة التعريفية إلى هذه الصيغ. هذا يقودنا إلى الاستفادة من التقنية، وتقنية الوسائط تحديدا. كيف نتوقع أن يصنع اللقاء التعريفي بحضور 40 شخصا الصدى المطلوب وهناك 40 ألفا يتحدثون عن الموضوع في نطاق آخر، ربما بمعلومات مغلوطة ولكن بطرق فعالة جدا؟ هناك اليوم عشرات الطرق لنقل اللقاءات بطريقة حية مسجلة على الإنترنت، ويمكن التحكم فيها بشكل كبير إلى حد أفضل من التحكم في اللقاء على أرض الواقع، إذ تسهل مشاركة الملفات وضبط المشاركات واستخدام أدوات التفاعل المباشرة. ومع تدنى تكلفة هذه البدائل نجد قليلا جدا من الجهات التي تستخدمها. قد تحصد إحدى الدورات المجانية على الإنترنت أصداء أفضل من لقاء تعريفي يقام في مدينة كبرى لنظام جوهري مؤثر في جميع أطياف المجتمع. كنا قبل سنوات عديدة نطالب ـــ تقريبا في كل مجال ــــ بتطوير الأنشطة التعريفية المتخصصة لرفع مستوى الوعي وتحسين تلقي الخدمات واستغلال الجهود المبذولة. نرى ذلك يحصل اليوم ولكن بأسلوب قد يناسب تلك المرحلة وليس المرحلة الحالية. أحد أهم عوائق التنمية المصرح بها هي فجوة الوعي التي لن يسدها التعليم فقط، بل يتطلب سدها نشاطا عاليا للمعرفة المجتمعية التفاعلية التي تتطلب بدورها استخدام الوسائل الملائمة التي يتقبلها المجتمع، وهذا فعليا ما ننتظره بخصوص كل مبادرة جديدة، وكل مبادرة سابقة تخضع للتجديد والتنشيط.