عبدالله الجعيثن
ساد المحتوى الرقمي في كل شيء تقريبًا، من الثقافة والاقتصاد إلى التسلية والطب والطبخ والتغذية.. وهذا مفيد جداً في حد ذاته، فهو يختصر الوقت ويريح ويسهم في نشر الوعي في المواقع الرصينة، وفي الجهات الحكومية التي تقدمت لدينا بشكل قياسي رائع.
ولأن المحتوى الرقمي متاح بسهولة للعقلاء والسفهاء، وللدهماء، كثر في فضائه الغثاء وانتشار الإشاعات، والبحث عن الشهرة بأحط الطرق عند البعض.. وتواجد كثير من أدعياء الطب والتغذية ممن لا يفقهون.
ويحظى المحتوى العربي غير الرصين بأكثر المتابعات مع الأسف، إلى حد تناقل الإسفاف على أوسع نطاق، ومن أسباب ذلك انتشار البطالة والفراغ في عالمنا العربي، وربما الإحباط، بحيث تبحث جيوش من المتابعين، وأكثرهم شباب، عما يرسم ابتسامة شاحبة من مقطع هزيل أو خارج عن الأخلاق، واستغل ذلك كثيرون يتنافسون على تقديم الأسوأ أخلاقًا وقصدًا، الأسفّ مبنى ومعنى، وتقديم صور ومقاطع تعتمد على الكذب والتلفيق، والبعد عن أي التزام ديني أو أخلاقي ، ومع سرعة المتغيرات وشدة التنافس على كسب المزيد من الشهرة والمتابعين والمزيد من المال زاد الانحدار يومًا بعد يوم في عصر يلهث من السرعة ويُلهب ظهور كثير من المتحاربين خلف الشبكة العنكبوتية دفعًا لخوض المعركة بكل الأسلحة المحرمة في كثير من الأحيان، والتنافس المتناحر للحصول على مزيد من المتابعين ثم المعلنين فالمال بكل وسيلة شريفة أو غير شريفة.. وبكل أنواع الإثارة القبيحة.. وتقع مسؤولية دينية وأخلاقية على بعض المعلنين الذين يشجعون السفهاء والدهماء بالإعلان بواسطتهم.. بل حتى تجارياً تحظى الإعلانات بالازدراء إذا تمت في محتوى معرف غير أخلاقي.
ورغم ذلك يوجد في المحتوى الرقمي العربي كثير من المدونين الممتازين والمواقع الرائعة النافعة والمعتمدة على المعلومات الصادقة والتحليلات العميقة ولكن هذه المواقع مكلفة وتخوض معارك مع منافسين غير شريفين تكاليفهم صفر تقريبًا، وقد يؤدي ذلك إلى انهزام المحتوى العربي الجيد وانسحابه من الساحة لأن العملة المزيفة تطرد العملة الجيدة.
وهذا من أعراض أمراض أكثر المجتمعات العربية التي أصيب كثير من شعوبها بالبطالة والفقر والفراغ والإحباط والثورات الغوغائية التي زادت أعداد الدهماء والضائعين جسمًا وعقلًا بعد توالي الإحباطات والتخبطات وإقبال جيوش الظلام واليأس.
وهذه التحديات تضع أمام صناع المحتوى العربي الجيد المزيد من المسؤولية، ولسوف ينتصرون بإذن الله إذا صمدوا، فالخير في أمة محمد إلى يوم القيامة.
نقلاً عن “الرياض“