قضايا ودراسات

المشرق العربي وانهيار السياسة

حسام ميرو

مضت ثلاثة أشهر على تكليف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بتشكيل الحكومة، وخلال تلك المدة، لم يتمكن الرئيس المكلف من تشكيل الحكومة، ولا تزال المعطيات تشير إلى استمرار الصعوبة في الوصول إلى توافق بين الفرقاء اللبنانيين على الوصول إلى تسويات، من شأنها تدوير الزوايا، وتقليص مساحة الخلافات، وصولاً إلى إعلان حكومة، تتصدى للأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمرُّ بها لبنان، وتذكر هذه الأزمة بأزمة بقاء لبنان لمدة تقارب العامين من دون رئيس للجمهورية، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو/ أيار 2014.
أصبح الانقسام السياسي الحاد في لبنان أمراً مألوفاً، كما أصبحت الأزمات الاقتصادية هي الأصل، في ظل عدم قدرة لبنان على الخروج من تبعية قواه السياسية للخارج، وما ينطبق على لبنان ينطبق على العراق، الذي يعيش أزمة مشابهة، من حيث عدم قدرة القوى العراقية على حسم مسألة الأكثرية في البرلمان، وحتى لو حسم هذا الأمر قريباً، فإن المشهد العراقي السياسي غارق في انقسام نخبه السياسية، وعدم وجود توافق على خط وطني، يخدم مصلحة بناء الدولة العراقية، بعيداً عن التدخلات الخارجية، خصوصاً الأمريكية والإيرانية.
وعلى خلاف لبنان الفقير بالموارد النفطية، فإن العراق، وبحسب دراسة أعدها موقع «إنسايدر» الأمريكي، فإنه يحتل المرتبة الخامسة عالمياً من حيث الاحتياطي النفطي، والذي يقدر بحوالي 142 مليار برميل من النفط، وقد أعلنت وزارة النفط العراقية أنها صدرت خلال شهر أغسطس/ آب الماضي نحو 111 مليون برميل، مع إيرادات وصلت إلى 7 مليارات و729 مليوناً من الدولارات، ومع ذلك فإن المحافظات العراقية تعيش في حالة من الفقر المدقع، وسوء الخدمات، وثمة احتجاجات شعبية كثيرة على ما وصلت إليه الحالة المعيشية للمواطن العراقي.
منذ عام 2003، يعاني العراق هدراً ممنهجاً لموارده المالية، فبعد سقوط نظام صدام حسين، ودخول الأمريكيين، انهارت الدولة العراقية، وأدت التدخلات الخارجية إلى إعادة اصطفاف بين القوى السياسية الناشئة، وعوضاً عن حدوث نهوض سياسي على أساس وطني، فقد أصبحت الممارسة السياسية تقوم بدلالات ما قبل وطنية، تقودها نخب فئوية، ما فاقم حالة الانقسام المجتمعي، وأعاق بناء مؤسسات حكومية قوية، على أساس الكفاءة والمحاسبة، وأدى كل ذلك إلى انتشار الفساد من أعلى الهرم إلى أسفله، حتى بات تراشق التهم بين السياسيين على خلفية الفساد أمراً شائعاً في الحياة السياسية العراقية.
في لبنان، وعلى الرغم من «اتفاق الطائف» في عام 1989، والذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، إلا أن سياق الممارسة السياسية استمر انطلاقاً على ولاءات ما قبل الدولة، وكان متوقعاً أن يكون خروج القوات السورية من لبنان، في 2005، بداية لنشوء تيار سياسي عابر للطوائف، يمهد مع الوقت لتصحيح مسار الحياة السياسية، لكن المعادلات الداخلية والخارجية، وآخرها الحرب السورية، منعت فعلياً أي تصحيح لمسار الخلل السياسي في لبنان، بل زادت من حدّة الانقسامات السياسية، وأظهرت عمق الولاءات السياسية للخارج.
وفي سوريا، ومع تحول الانتفاضة الشعبية إلى حرب متعددة الأطراف، لم يعد للنخب السياسية، سواءً في النظام أو المعارضة، أي دور أساسي في تحديد مستقبل بلدهم، وأصبحت القوى الخارجية، الدولية والإقليمية، هي من يحدد مستويات الصراع، وطرق إدارته، وعلى الرغم من وجود مثالين بارزين، هما العراق ولبنان، فإن السلطة السياسية والمعارضة في سوريا لم يتمكنا من تجنب انهيار السياسة، بمعناها التوافقي الوطني، بل ذهبا، بالخطاب والممارسة، إلى رفع مستوى الصراع، وتحويله من صراع داخلي إلى تنافس إقليمي ودولي على تقاسم النفوذ والمصالح في سوريا.
المشهد العام، وما يحتويه من تفاصيل وتشعبات، في المشرق العربي، يشير إلى انهيار السياسة، فلم تعد النخب السياسية معبّرة عن تطلعات وطنية جامعة، بل عن مصالح قوى الخارج، وعن مصالح فئات محلية ضيقة، كما لم يعد بالإمكان الحديث عن وجود دولة، بمعنى امتلاك السيادة، أمراً واقعياً، فدول المشرق العربي تعيش في أسوأ محطاتها، منذ خروج الاحتلالات في منتصف القرن الماضي، فالثقافة السياسية الراهنة تشكّل نكوصاً كبيراً عن المشاريع السياسية الوطنية.
هل من أفق في المدى المنظور لاستعادة السياسة بمعناها الوطني في المشرق العربي؟ هذا السؤال المركب بطبيعته، تصعب الإجابة عليه، فنحن أمام مرحلة تتسم بعودة الاحتلالات بمعناها المباشر.

husammiro@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى