مقالات عامة

المصالحة المخرج الوحيد للأزمة

حافظ البرغوثي

عاد السجال الإعلامي بين حكومة الوفاق الفلسطينية وحركة حماس، حول المصالحة بعد أن كفت مصر عن التدخل في هذا الملف. حماس تحمّّل حكومة الوفاق مسؤولية تردي الأوضاع في غزة وزيادة البطالة والفقر، وهو ما ردت عليه حكومة رامي الحمد الله ببيان نفت فيه أي تقصير، وأوفدت وزير الصحة إلى غزة لمتابعة الوضع الصحي في المستشفيات حيث أعلن أن هناك كمية كافية من الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات بعكس ما تدعيه حركة حماس، وأن الأدوية متوفرة حيث شحنت الوزارة أدوية بقيمة أربعة ملايين دولار، وأن الحكومة أعادت الخط «الإسرائيلي» الذي يزود غزة بخمسين ميغاواط بعد توقف لفترة، وأن الحكومة تسدد فواتير الكهرباء.
حماس منذ فترة تمر بأزمة مالية طالت رواتب موظفيها بمن فيهم ذراعها العسكرية رغم أن قطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين أرسلوا دفعات مالية مؤخراً لكن القصف «الإسرائيلي» لأنفاق تصل إلى مصر وكشف مصر لعدد من الأنفاق جعل إيصال الأموال صعباً. ولهذا فإنها تحمل حكومة الوفاق المسؤولية مع أن هذه الحكومة لم تتسلم أية صلاحيات على أرض الواقع وما زالت حماس تدير شؤون غزة وترفض تسليم الوزارات لحكومة الوفاق التي تقول إنها تصرف شهرياً مئة مليون دولار على قطاع غزة تربوياً واجتماعياً وصحياً. وجاء تقليص واشنطن لمساهمتها في ميزانية وكالة غوث اللاجئين لكي يزيد الأوضاع تفاقماً لأن ثلثي سكان غزة هم من اللاجئين. بالطبع حركة حماس لا تحمل نفسها أية مسؤولية تجاه سكان غزة لأن جل اهتمامها منصب على تشكيل ما يسمى جبهة مقاومة في المنطقة تشمل حزب الله وإيران إلا أن النظام السوري ما زال بعيداً عن هذا المحور لأنه لا يثق بحركة حماس بعد أن خدعته، لكن إيران رغم أن حركة حماس خانتها حسب الوصف الإيراني في السابق إلا أنها في صراعها الحالي في الإقليم تريد استعادة حماس كورقة مساومة في إطار الصراع الجاري بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة.
المصريون لم يعودوا يتحدثون عن المصالحة لاهتمامهم بمكافحة الإرهاب، وكذلك لعل الكشف عن مزيد من الأنفاق دحض تعهدات حماس بوقف حفر الأنفاق نحو مصر كما أنهم لاحظوا مماطلة مقصودة من قبل حماس في تسليم الصلاحيات لحكومة الوفاق ووضع العراقيل أمامها، وهذا يعني أن تعهدات يحيى السنوار للمخابرات المصرية بوقف وردم الأنفاق لم تنفذ وأن الوزير خالد فوزي رئيس المخابرات السابق كان من أشد الواثقين بالسنوار لكن يبدو أن ثقته لم تكن في محلها لأن التيار المناوئ للسنوار بات أقوى ويتصرف وكأن المصالحة غير موجودة. لكن ما يغيظ حماس أن حكومة الوفاق ما زالت مصممة على إنجاز المصالحة وعدم الإعلان عن فشلها لأنها تعمل وفق نصيحة مصرية «خذوا ما تستطيعون وافرضوا وقائع على الأرض ولا تيأسوا»، رغم أن نواب حماس في اجتماع لهم مؤخراً دعوا إلى ضرب أي وزير إذا عاد إلى غزة، في مؤشر رافض كلياً للمصالحة إلا بشروط حماس.
هذا الوضع ليس مثالياً لكن حكومة رام الله مصممة على المضي قدماً في عمل وزرائها في غزة رغم العراقيل ورغم شح الموارد، فالسلطة الآن لا تتلقى إلا ما نسبته أقل من عشرين في المئة من ميزانيتها كمساعدات خارجية والباقي توفره من الضرائب والجمارك في الضفة الغربية فقط. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلاً حتى تقع الحكومة في عجز مالي كبير بحيث تعجز عن الوفاء بالتزاماتها، لكن في حالة إنجاز المصالحة فإن الوضع سيتغير وستجد السلطة موارد ضرائبية جديدة وأخرى خارجية عن طريق تسهيل حركة السفر إلى الخارج وإيجاد فرص استثمارية في غزة لتشغيل الأيدي العاملة، وربما استثمار حقل الغاز في البحر الذي ظل مغلقاً بعد افتتاحه من قبل الرئيس الراحل أبو عمار. فالمصالحة هي المخرج الوحيد للفلسطينيين اقتصادياً وكذلك لتصليب الموقف الفلسطيني في وجه مخطط تصفية القضية الفلسطينية الذي تقوده الإدارة الأمريكية.

hafezbargo@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى