مقالات عامة

النابهون والخاملون

د. حسن مدن

لا أذكر الآن في أي سياق جاء قول أستاذنا في مادة الفلسفة، أثناء الدراسات العليا، عن أن ما اعتدنا القيام به من عادات يتولى الدماغ نفسه إنجازه بجهد يسير، كمشوارنا اليومي للعمل مثلاً أو للبيت أو إلى أي جهة اعتدنا الذهاب إليها بصورة يومية أو شبه يومية. وهو أمر نشعر به جميعاً، فما أكثر المشاوير المعتادة التي نقطعها بسياراتنا من دون أن نبذل جهداً غير عادي في الوصول إليها، حتى لنكاد نشعر أن السيارة هي من يُوجهنا، لا نحن من يُوجهها، وما يقال عن مشاويرنا بالسيارة، يصح أيضاً على مشاويرنا مشياً على الأقدام، حين نجد أرجلنا تأخذنا نحو الطريق الذي اعتادت قطعه بشكل متكرر.
شيء مشابه حكته لي ابنتي أنها استمعت إليه في برنامج تلفزيوني، يتحدث عن ميل الدماغ إلى الكسل، بإنجاز ما ألِفَ توجيهه من مهام روتينية اعتدنا الإتيان بها أو حتى مجرد التفكير فيها، والمقصود بالكسل هنا بذل الحد الأدنى من الجهد، فالدماغ في كل الأحوال يظل يعمل، ولا يتوقف إلا بالموت، لكن الذي يختلف هو مقدار الجهد الذي يبذله.
إن لم تنشأ حوافز تُسرع من نشاط الدماغ، أو نقوم نحن باختراعها، فإن الأنسب له أن يظل على حال الكسل التي اعتادها، فلا يستهلك إلا أقل القليل من طاقته أو الإمكانيات الكامنة فيه، والتي يمكن لها، في حال المتميزين من البشر، أن تجترح ما يعد في نطاق غير المألوف، حد المعجزات أحياناً على نحو ما أظهرته عقول العباقرة من أصحاب الاختراعات التي غيّرت مجرى تاريخ البشرية، أو حتى عقول ذوي التكوينات الشريرة من البشر في ما ارتكبوه من فظائع يصعب تخيلها.
لتبسيط شرح الأمر يمكن لنا أن نعقد مقارنة بين سلوك فردين، أحدهما اعتاد ممارسة الرياضة بصورة يومية وعلى مدار زمني طويل، فيما الآخر معروف بعزوفه عن ذلك، ففي حال الشخص الأول اعتاد الدماغ أن يدفعه لمألوف عادته اليومية، التي لا تتطلب من هذا الدماغ سوى الحد الأدنى من النشاط على نحو ما ذكرنا، فيجد المرء نفسه يؤدي رياضته بسلاسة ومتعة.
أما في حال الشخص الآخر، الكسول، فإنه إذا رغب في كسر عادته بعدم ممارسة الرياضة، فإن على الدماغ أن يبذل جهداً استثنائياً لم يعتده، كي يتجاوب مع رغبة الشخص في كسر مألوف العادة، بالتحول إلى ممارسة الرياضة، ولأن العادة ليست متأصلة عند صاحبنا، فإن الدماغ يميل إلى تثبيط عزيمته، وعدم تحفيزه عليها، ما لم يظهر الكافي من الإرادة.
في الشرح أعلاه شيء من المجاز بالطبع، ولكن لو وسّعنا زاوية النظر لتشمل الأمم لا الأفراد وحدهم، أمكننا أن نفهم مغزى التفريق الذي وضعه أحد كتابنا الأندلسيين بين «الأمم النابهة» و«الأمم الخاملة».

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى