النزاعات العسكرية بين الغرب وروسيا
محمد خليفة
وضع التحدي الروسي حداً لمشروع الهيمنة الأمريكية على العالم، لكنه فتح من جانب آخر حرباً باردة جديدة بين الدولتين. فروسيا التي ترى أنها ظلمت في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تريد أن تعيد هيمنتها على المناطق والدول التي كانت جزءاً منها، أو كانت ضمن الفلك الشيوعي.
وكانت الحرب في أوكرانيا عام 2014 اختباراً روسياً لمدى قدرة دول الغرب على التدخل عسكرياً لمصلحة الحليف الأوكراني؛ حيث تمكنت روسيا من اقتطاع شبه جزيرة القرم بشكل كامل من الأراضي الأوكرانية وضمها إليها، كما ثبّتت خطوط دفاع الروس الموالين لها في الشرق الأوكراني، مما أسفر عن حسم الصراع على الأقل في هذه الجولة لمصلحتها.
وفي مقابل ذلك، كانت دول الغرب قد بدأت بفرض عقوبات اقتصادية تصاعدية على روسيا، كما أنهت وجودها في مجموعة الدول السبع الكبرى. وقد كان ذلك بداية لتبدلات استراتيجية ضخمة في العالم؛ حيث سعت روسيا لتمتين تحالفها مع الصين، بما يضمن لها وجود حليف قوي راسخ في أية مواجهة كبرى قد تندلع بينها وبين الغرب.
وفي المقابل قامت دول الغرب بتشديد العقوبات ضد روسيا، كما قامت بحملات إعلامية لتشويه القيادة الروسية، في إطار المساعي الرامية إلى إجبار موسكو على التخلي عن مطامحها في تحصين حدودها، وإرساء دعائم نظام عالمي يقوم على التوازن لا على الهيمنة.
لكن هل تدفع تلك الضغوط الأوروبية الأمريكية روسيا، إلى التخلي عن مشروعها والإذعان للضغوط الغربية؟ إن المتتبع للتحرك الروسي وتعامله مع القضايا الساخنة، يدرك أن روسيا لن تتخلى عما تراه حقاً لها في أن يكون لها محيط آمن من حولها، يُبعد عنها مختلف المخاطر، فهي وإن كانت محمية من الشرق بالمحيط الهادئ، ومن الجنوب بدول آسيا الوسطى والصين، لكنها من الشمال عرضة للاختراق عبر آلاسكا الأمريكية المحاذية لها، ومن الغرب عرضة للاختراق عبر مجموعة من الدول التي كانت تابعة لها، فيما كان يُعرف باتحاد الجمهوريات السوفييتية.
وتعد دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا)، الخاصرة الضعيفة لروسيا؛ لأنها مناطق حدودية، وهي في نفس الوقت، تبنت سياسة عدائية ضدها؛ إذ سارعت إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي في 2004؛ الأمر الذي يعني أن جيوش الأطلسي أصبحت على حدود روسيا.
وعندما وقعت الحرب في أوكرانيا، ثارت مخاوف في دول البلطيق من أن يحدث لها ما حدث في أوكرانيا؛ بسبب وجود أقليات روسية كبيرة فيها. وقد أرسل حلف شمال الأطلسي طائراته أكثر من 150 مرة، رداً على طلعات روسية.
وأجرت موسكو مناورات عسكرية مفاجئة في منطقة كالينينجراد التي تقع على الحدود مع ليتوانيا وبولندا العام الماضي، بمشاركة تسعة آلاف جندي و55 سفينة. وفي نفس الوقت، انطلقت شمالي السويد تدريبات جوية واسعة، شاركت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، و3 دول من خارج الحلف هي السويد وفنلندا وسويسرا. وقد جاءت هذه المناورات في إطار خطط حلف شمال الأطلسي لمواجهة روسيا. وتخشى دول الغرب من أن تنتقل الفتنة في أوكرانيا بين الكاثوليك والأرثوذكس، إلى دول البلطيق، بما قد يؤدي إلى تعدي الكاثوليك على الروس الأرثوذكس، وهذا قد يدفع روسيا إلى التدخل ولو بشكل غير مباشر لدعم مواطنيها، كما عملت في أوكرانيا، مما قد يتسبب في وقوع صدام بين روسيا والغرب؛ لأن دول البلطيق جزء من حلف شمال الأطلسي، وهذا الحلف لن يقف مكتوف الأيدي أمام تعرض دول تابعة له لأي عدوان.
وإذا تدخل الحلف فستقع حرب بين الغرب وروسيا، وهذا السيناريو القاتل قد يكون قريباً في ظل حالة العداء غير المسبوقة بين الغرب وروسيا، وفي ظل محاولة هذه الأخيرة للحفاظ على استقلالها وحماية أمنها الداخلي.
وهذا الأسبوع تواجه موسكو وكييف أسوأ أزمة، بعدما طالبت أوكرانيا وحلفاؤها في الغرب بالإفراج عن السفن الأوكرانية الثلاث التي احتجزتها روسيا بعد إطلاق النار. وقالت سفيرة الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن، إن التحركات الروسية ب«الأفعال خارجة عن القانون».
تصاعد الأحداث بين روسيا من جهة، وبين دول حلف شمال الأطلسي من جهة أخرى، عسكرياً، بعد أن توترت سياسياً على مدى عقدين من الزمن، كان متوقعاً، وليس ثمة أفق للمستقبل سوى مزيد من الاحتدام والمواجهة العسكرية.