النووي الايراني والخليج
محمد سعيد القبيسي
الاتفاق المبدئي الذي تم مؤخرا في لوزان السويسرية بين ايران والولايات المتحدة الامريكية حمل الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، التغيير والتجاوب السريع من الجانب الايراني لم يكن متوقعا على الاطلاق بان يكون بهذه السهولة، فكيف بعد هذه السنوات الطويلة من الحصار والعقوبات الدولية ضدها مرورا بالمفاوضات العديدة التي اجرتها مع الدول الكبار والتي اتسمت دائما بالتعنت والاصرار الايراني لكي تكون قوة نووية في المنطقة والتي لم تنجح معها الكثير من المحاولات في اقناعها للرجوع عن ذلك بل وظلت مستمرة ومصرة حتى ماقبل الاتفاق بايام، فما الذي حدث للموقف الايراني ليتراجع عن هذا التعنت ويتجاوب ويقبل بشروط الكبار ويوقع هذا الاتفاق المبدئي وبكل سهولة؟
لقد ظن الامريكان في احتفالهم بالبيت الابيض مع الرئيس اوباما بانهم هم من اقنع المفاوض الايراني لقبول شروط الاتفاقية ومن ثم التوقيع المبدئي عليها، ولكن من ينظر من جهة اخرى الى هذه الموافقة التي تزامنت مع عمليات عاصفة الحزم سيعرف بان ليس الامريكان هم السبب حقا، وان هناك اسباب اخرى لذلك.
حقيقة لم تكن الخطوة التي قامت بها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الخليجيون والعرب تجاه اليمن متوقعة، فالمجتمع الدولي اعتاد من العرب للاسف التصريحات والتنديدات والتهديدات والشعارات الرنانة منذ زمن طويل دون اي تحركات تذكر، وهو ما سهل لايران ان تسرح وتمرح في المنطقة بلا حسيب ولا رقيب ولا خوف وتمارس خططها التوسعية لتصل في فترة ليست بالطويلة مستغلة الظروف السياسية وعدم الاستقرار في بعض البلدان العربية لتسيطر عليها وهي سوريا والعراق ولبنان واليمن وكانت لتكون مصر هي الخامسة بقيادة الاخوان الذين مهدوا الطريق لايران لتكون لقمة سهلة لهم ولولا الله ثم ارادة الشعب المصري ووقوف دول الخليج معها لكانت الان في خبر كان.
ففي الوقت الذي كانت تراهن فيه ايران على ورقتين في يدها الملف النووي والحوثي في اليمن قلب التحرك الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الخليجيون والعرب والمتمثل في عاصفة الحزم الموازين الايرانية وغير حساباتها، اليمن وقد خسرته فلم تبقى الا مفاوضات الملف النووي، وبالفعل وحتى تخرج من هذا المآزق خصوصا امام المجتمع الدولي الذي ينتظر نتائج هذه المفاوضات بفارغ الصبر وحتى تظهر حسن النية وافقت مبدئيا على شروط هذه الاتفاقية لتحتفل هي الاخرى بما سمته نصر لها، ولكن باعتقادي لا اظن بان هذه الاتفاقية ستستمر وستكتمل كما هو مقرر لها بنهاية يونيو القادم، لانها لن تفي بما تريده ايران من ان تتحول الى قوة نووية في المنطقة تستطيع ان تهدد وتتوعد كل من يعارض منهجيتها التي تسير عليها، ولعل التصريحات التي قام بها بعض من الشخصيات في ايران مؤخرا تؤكد لنا ذلك، ونذكر منهم علي يونسي مستشار الرئيس الايراني حسن روحاني للشؤون الدينية والاقليات والذي قال في منتدى الهوية الايرانية في طهران بان ايران اصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها الحالية بغداد ،وايضا ماقاله من بعده رئيس وكالة الانباء الايرانية “مهر” والذي هاجم الدول العربية مباشرة وبشكل واضح واصفا اياهم “بالعربان” وداعيا العراقيين بترك عروبتهم المزيفة والانضمام الى الوحدة مع ايران وتغيير ملابسهم بعيدا عن الدشداشة والكوفية، في تصريحات علنية واستفزازية في تعدي واضح على العرب ضاربين بعرض الحائط القيم والاعراف السياسية والديبلوماسية.
اخيرا ان هذه الاتفاقية للملف النووي الايراني لو تمت واكتملت بنهاية يونيو المقبل سيعترف دوليا بايران كقوة نووية اقليمية، وان رفع العقوبات والحصار عنها سيجعلها تقف على قدميها من جديد مشكلة تهديد حقيقي لدول الخليج بشكل خاص ودول المنطقة بشكل عام وان الحليف الامريكي لدول الخليج قد تغيير و لابد ايضا لدول الخليج والمنطقة ان تتغير وتتكيف مع هذه التغييرات وتستعد لكافة الاحتمالات والتهديدات المستقبلية وكيفية التعامل معاها في ظل وجود دولة كايران ستمتلك السلاح النووي قريبا وان تسعى لتقليص هذا التهديد او انهاءه عبر خلق دور اقليمي قيادي ورئيسي للعرب في المنطقة ليقودها في المرحلة القادمة.