الوافدون شركاؤنا في التنمية ولكن…
صالح السلطان
هم فاعلون أساسيون وسبب رئيس فيما تحقق من تنمية بالتأكيد. ما كان ممكنا تحقيق ما تحقق ويتحقق من تطوير وتنمية في بلادنا لو لم نستعن بهم. لكن الكلام لم ينته بعد. هم شركاء أسرفنا وبالغنا وتجاوزنا الحد في الاعتماد عليهم، واستقدمنا أكثر من الحاجة. وكل هذا تسبب في أضرار كثيرة.
وهنا مزيد تفصيل، أبدأه ببيان خلفيات سلوكية في قلة الشكر وضعف العدل.
أخبرنا الله سبحانه أن أغلب البشر فيهم خصلة المكابرة وقلة الشكر والتقدير. قال سبحانه “وقليل من عبادي الشكور”. وفي الحديث “لا يشكر الله من لا يشكر الناس”. وتطبيقا على موضوعنا، أغلبنا وأغلب الوافدين لا يشكر كل طرف الآخر.
قلة الشكر تعني ضمن ما تعني أن أغلب البشر لا يتصفون بالعدل. العدل في الحكم على الأشياء وعلى الآخرين أمر مطلوب. من أسوأ الأمور تفشي ضعف العدل عند الحكم على آخرين أو عند البحث في أشياء ومتغيرات، من أسعار وغيرها. من العدل النظر إلى الموضوع بجوانبه المختلفة، وليس من العدل انتقاء أسباب وجوانب لأنها تتفق مع الهوى والرغبات، مع تجاهل غيرها من جوانب لأنها لا تتفق مع المصلحة أو الهوى أو فوق مستوى الفهم، وما بلغ الشخص من علم. هذا ليس من العدل في شيء.
بعد هذه الخلفية نعرج إلى الحديث عن توسعنا في الاستقدام وكيف صار.
منّ الله على بلادنا بخيرات النفط. وبدأت تتدفق أموال النفط إلى خزانة الدولة منذ الأعوام الأخيرة للمؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله. تدفق الأموال جلب أول طفرة وما يتبعها من أعمال تنمية وتطوير وبناء مشاريع. وبدأت آثار الطفرة جلية في العقد السابع من القرن الهجري الماضي العقد الخامس من القرن الميلادي الماضي، أي منذ أكثر من 60 عاما. شهد ذلك العقد بدايات التوسع في الاستعانة بالآخرين، إذ لا يمكن تنفيذ أعمال البناء والتطوير دونهم، فالبلاد في حكم الخالية من أهل العلم والخبرات والمهن والحرف في مختلف المجالات والأنشطة التي تطورت في العالم بعد الثورة الصناعية في الغرب. وقد سبقتنا الدول العربية الشمالية بعشرات السنين في الحصول على تلك المعارف والخبرات والمهن والحرف. فعلى سبيل المثال، كانت في سورية ومصر جامعات وكليات طب قبل عشرات السنين من تأسيس أول ابتدائية في المملكة.
مع الوقت تزايد الاتكال على الوافدين أكثر وأكثر إلى درجة الإسراف في الاستقدام. وهذا الإسراف كان أحد آثار ثروة النفط، التي يمكن التعبير عنها بفتنة النفط. وأسهم نظام الإقامة في تعزيز هذا الإسراف، فهو يعطي أصحاب الأعمال سلطات وصلاحيات تجعلهم “أعني أصحاب الأعمال والعائلات” يفضلون توظيف الوافد غالبا على المواطن.
تغيير هذه الأوضاع المبنية على إدمان النفط بتعبير ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مطلب ملح لا شك في ذلك. لكن من الخطأ التعجل والهرولة في تغيير أوضاع سادت أكثر من 60 عاما، حيث تجلب الهرولة غالبا مضار أكثر من المنافع. وللتشبيه، لو افترضنا وجود شارع صغير، لكنه مقام عليه منذ أعوام وبطريقة نظامية أنشطة ومحال تجارية. لنفترض أن أهل الحي تضرروا كثيرا من الشارع واشتكوا، وقررت البلدية منع المحال التجارية عليه. لا بد من التدرج في تطبيق القرار.
يوصينا سبحانه بالتأني واجتناب الهرولة. وردت آيات كثيرة بهذا الشأن. كقوله تعالى: “خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون”. وقوله “قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا * قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا”.
من المهم جدا تفهم أن نظام الإقامة يحفز أصحاب العمل على تفضيل توظيف وافدين على مواطنين، حتى لو توافر مواطن للعمل نفسه. لماذا هو محفز؟ لأن المواطن يطبق عليه فقط نظام العمل، أما الوافد فيطبق عليه أيضا نظام الإقامة إضافة إلى نظام العمل. ونظام الإقامة يفرض واجبات وقيودا على العامل الوافد لمصلحة صاحب العمل تزيد على ما يفرضه نظام العمل. وأهم قيد أن الوافد لا يستطيع تغيير صاحب العمل إلا في حالات ونطاق ضيق، وهذا مدعاة لتفضيل توظيف الوافد.
ما الحل زيادة على الحلول والسياسات الحالية لتوفير وظائف للمواطنين؟
مطلوب التوسع في السماح للمقيمين بتغيير صاحب العمل، ضمن ترتيبات، بهدف حماية حقوق الطرفين وضبط الجانب الأمني. من هذه الترتيبات وجود عقد محدد المدة للوافد للعمل عند صاحب عمل. والسماح للوافد بتغيير صاحب العمل بعد انتهاء مدة العقد. والسماح يتطلب إنشاء هيئة حكومية للوافدين، ليكونوا تحت كفالتها. والوافدون مطلوب منهم تزويد هذه الهيئة بكل ما يمرون به من تغيير للعمل والسكن ونحوهما. ومن يبقى من الوافدين عاطلا فترة محددة مسبقا، يحق للهيئة أن تعطيه خروجا نهائيا. وهناك ترتيبات أخرى لضبط الأمور والحقوق بعد السماح بتغيير صاحب العمل، لكن المقام لا يتيح مزيد تفصيل.
ما نتيجة هذا السماح؟ أربع نتائج مترابطة: الأولى توظيف الوافدين سيكون من الداخل إلا في حالات قليلة مستثناة يسمح فيها بالاستقدام. والثانية تقليص الحاجة إلى تأشيرات جديدة، إلا في نطاق أضيق كثيرا مما هو معمول به الآن. والثالثة تقليل الحافز على توظيف الوافدين لأن مزايا توظيفهم ستقل. والرابعة تقليل مشكلات وتطبيقات حالية لنسبة التوطين ونطاقاته.
*نقلاً عن “الاقتصادية”