قضايا ودراسات

الود المفقود بين الإعلام وترامب

عاطف الغمري

البعض من الخبراء في الولايات المتحدة، يربطون بين تزايد مساحة الانزعاج من سلوكيات الرئيس دونالد ترامب المنفلتة في كثير من القضايا والمواقف، وبين سيكولوجية الأمريكيين التي ترتبط بشخصية القائد الذي يتصرف بطريقة المفاجأة، أو حسب ما يطلقون عليه تعبير «الاكشن» أو الحركة، كما هو الحال في السينما الأمريكية، والتي تجسدها هوليوود بطريقة انعكست على الشخصية الأمريكية.
ففي الوقت الذي تصاعد فيه الهجوم على ترامب من كثير من الشخصيات السياسية، ومن وسائل الإعلام، نجد أن آخر استطلاع للرأي العام، أظهر ارتفاع معدل شعبية ترامب. صحيح أنه نال تأييد 40% من الأمريكيين مقابل 50%، ليسوا موافقين على قراراته، إلا أن ارتفاع شعبيته ولو بنسبة ضئيلة، يعبر عن وجود قطاع ليس ضئيلاً من الأمريكيين لا يزال يتقبله.
ولقد تكررت في الصحافة في الولايات المتحدة تعبيرات تكاد تكون متماثلة منها القول بأن الأمريكيين يتوقعون أن ينهض الرئيس ترامب في الصباح ويفتح نافذة حجرته ويلقي منها قواعد السياسة التي كان يلتزم بها الرؤساء السابقون. وإنهم لا يعرفون ما هي المفاجأة القادمة إليهم على يد ترامب.
وإذا كان الإعلام في غالبيته يقود حملة مكثفة على ترامب، ويهيئ الأذهان لقرب التخلص منه، إما بمحاسبته دستورياً على أخطاء يتهم بارتكابها، أو بعزله من منصبه، إلا أن الإعلام نفسه وفي أحيان كثيرة كان محل مساءلة، بل وتشكيك في جدية بعض ما يذيعه أو ينشره، وأن ما دأب ترامب على اتهامه به من نشر أخبار كاذبة ومزورة، قد صدر عن دراسات صحفية متخصصة، قدمت نماذج عديدة لهذه النوعية من الأخبار.
ولا يزال التاريخ الأمريكي المعاصر شاهداً على مواقف متضاربة للصحافة الأمريكية تجاه بعض الرؤساء، وانقلاب تغطيتها وتحليلاتها من النقيض إلى النقيض، وعلى سبيل المثال، المواقف السلبية للصحافة من الرئيس جيرالد فورد، الذي خلف نيكسون بعد استقالته إثر فضيحة ووترجيت، ولم يقدر له الفوز لفترة رئاسة ثانية.
كان فورد لا يتصرف بحسابات السياسي المحترف، فهو يفعل ما يقتنع بأنه في مصلحة الولايات المتحدة، دون أن يضع في حساباته اعتبارات السياسات الداخلية، ومواقف قوى الضغط، واحتياجاته لتمويل الحملات الانتخابية. وهو سلوك مخالف تماماً لما درج عليه مختلف الرؤساء، بحكم طبيعة النظام السياسي الأمريكي.
ولأن تصرفات فورد جاءت معاكسة لتقاليد سياسية مستقرة، فقد صب عليه الإعلام الأمريكي انتقاداته، ووصفه بأنه بعيد عن فهم واستيعاب أبعاد طبيعة السياسة الأمريكية.
لكن بعد سنوات قليلة، ونتيجة لما مرت به الولايات المتحدة من أحداث، شهدت خروج عدد من الرؤساء عن القيم التقليدية، وارتكابهم مخالفات حرصوا على كتمانها حتى لا تخرج للعلن، فقد عاد الإعلام للاعتراف بخطأ تقديره لرئاسة فورد، وبأنه لم يكن منصفاً في تقديم صورته الحقيقية للرأي العام.
وحدث – مع الفارق – شيء مشابه مع الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي نال ما لم ينله رئيس آخر من التشهير به من الإعلام، والتنقيب عن كل نقيض له، وإظهاره وكأنه يفتقد لكل مقومات الرئيس. ثم انسحب نيكسون لسنوات بعيداً عن الأضواء، ومرت الولايات المتحدة بظروف، استدعت خبرة وحنكة في إدارة السياسة الخارجية، ظهر أن بعض الرؤساء يفتقدونها. وأخذت الصحافة تستعيد في ذاكرتها الكثير من آراء ومواقف نيكسون.
في هذا الوقت عاد نيكسون للظهور والإدلاء بآرائه فيما تواجهه بلاده من مشاكل وتحديات. وكانت المفاجأة أن بعض الصحف الأمريكية هللت لعودته، وكان منها ذلك العنوان الذي حمل عبارات «الملك يعود»، إشارة إلى نيكسون، والحديث عن أنه أكثر رؤساء أمريكا خبرة وفهماً لإدارة السياسة الخارجية.
ذلك كله لا ينفصل عن التوجه العام الحالي للصحافة الأمريكية في مواجهة ترامب، والذي بلغ حداً كبيراً من العداء، إلى الدرجة التي جعلت السكرتيرة الصحفية لترامب تصف الإعلاميين الذين يهاجمونه بأنهم أعداء الشعب. ولما كان المؤيدون لترامب لا يزالون يشكلون كتلة تصويتية ليست بسيطة، بالإضافة إلى أن هناك من يرفضون – حسب تعبيرهم – تشبيه بلدهم بالجمهوريات الصغيرة في أمريكا اللاتينية، في إساءة معاملة رؤسائها السابقين فإنه ليس مستبعداً أن يحدث تغيير في أداء الإعلام في مواجهته للرئيس ترامب، بنفس الطريقة التي سبق أن حدثت مع كل من جيرالد فورد وريتشارد نيكسون.

زر الذهاب إلى الأعلى