اليمن والخروج من الكارثة
هاشم عبدالعزيز
فيما يبدو في الظاهر أن هناك محاولات لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن منذ قرابة أربع سنوات، تظهر المجريات تداعيات أزمة حل هذه الأزمة وهذا ما يمكن رصده بعديد مؤشرات منها:
أولاً: التضارب بين الضجة العالية في شأن إيقاف المواجهات العسكرية التي قال وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، إن تكلفتها البشرية هائلة في ظل ملايين المشردين والمجاعة والأمراض وسنوات من إراقة الدماء، وبين تحديد زمان ومكان إعادة إطلاق عملية المشاورات، في السويد أواخر الشهر الحالي.
في هذا الشأن، كانت الأمم المتحدة أعدت للقاء جنيف ال2، لكنه لم يتم، بسبب تخلف الانقلابيين عن المشاركة في آخر اللحظات.
ثانياً: الالتفاف على المرجعيات، وهذا تجدد أمريكياً للمرة الثانية منذ عدة أيام عندما ترددت الأنباء عن مبادرة أمريكية حول الصراع؛ ففتحت الأبواب والنوافذ للاحتمالات والتوقعات وأعادت إلى الأذهان مبادرة وزير الخارجية الأسبق جون كيري التي استوعبت ترتيب وضع على الأمر الواقع، وتجاهلت مسألتين، الأولى: الانقلاب بما ترتب عليه على الوضع الداخلي في الفترة الانتقالية وعلى المنطقة بأمنها واستقرارها، والذي فتح البلاد على كارثة متداعية على حياة العباد وأوضاع البلاد، والثانية: المرجعيات التي تحددت لمواجهة هذا الانقلاب، وهي على أي حال تمثل الضمان الأساسي لا لاستعادة الشرعية الدستورية فقط، بل والعملية السياسية في فترتها الانتقالية وتوجهاتها في المسيرة اللاحقة لبناء الدولة، كما أكد ذلك مؤتمر الحوار الوطني بمخرجاته التي انقلب عليها الحوثيون عام 2014، لهذا فشلت خطة كيري حينها، لكن لم تتوقف المحاولات الأمريكية وغيرها، في تسويق أطروحات الحلول التي تدور على نتائج الحرب، باستمرارها لا على الانقلاب بمترتباته.
صحيح أن اليمنيين في ضرورة عالية لإنهاء الحرب، لكن هذا لا يجب أن يكون مدعاة لترتيب أوضاع في البلاد تفتقد إلى عدم الاستقرار، السؤال الآن: هل ما يجري في اليمن وفي شأن اليمن يعود إلى طبيعة الأزمة؟ أم إن الأمر يرجع إلى شدة خلاف الأطراف اليمنية؟.
من المؤكد أن من هذه وتلك ما هو وارد، غير أن ما يجري يطرح حقائق عدة، مفادها أن اليمن برغم كارثية أوضاعه يبقى في سياق التنافسات والأطماع، وهو قبل هذا وذاك، ذات أهمية حيوية واستراتيجية لدول هذه المنطقة في أمنها واستقرارها ومصالحها وما يرتبط بالأمن العربي بوجه عام.
من هذه النقطة تدور التنافسات الدولية في اتجاهين، الأول: استغلال الوضع الراهن تجاه دول المنطقة ، والثاني: الاستفادة من الحالة الكارثية الناجمة عن الحرب في اتجاه ما سيكون اليمن بالنسبة لمصالحها.
إن الضجة حول الأساس الإنساني لا تفتقد إلى العمل الجدي وحسب، بل هي أقرب إلى الخداع، ذلك أن الأمم المتحدة والأسرة الدولية لم تتعامل بمسؤولية، تجاه المسببات والأسباب التي قادت إلى هذه الكارثة التي يعيشها اليمنيون في عموم البلاد، المتمثلة في الانقلاب.
وليس من قبل الاتهام، القول إن الكثير مما يجري تحت مظلة إنهاء الحرب ترمي إلى ترتيبات يكون فيها الفرقاء في الداخل ملتقين على بقاء تنافرهم، ما يعني الاحتكام في أي وقت للغة الرصاص ولا يوحّدهم الوطن وهموم أهله، ونحو هذه الدوامة والطاحونة تتجه المبادرات والتنافسات الدولية، وهي الحالة التي كانت في حال استبعاد الاعتماد على مرجعيات الحل المتمثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وأبرزها قرار إنهاء الانقلاب.
هنا يمكن القول إن التحركات الدولية، سواء أكانت من الولايات المتحدة أم بريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها، قد تتغربل إلى شيء من التوافقات، بيد أن الذهاب إلى ترتيبات لأوضاع على حساب تلك المرجعيات، أهمها مخرجات الحوار الوطني وعدم مواجهة القضية الجنوبية باستحقاقاتها، التي لم تعد في احتمال التجاهل والالتفاف، لن تفضي في المحصلة سوى إلى مزيد من التداعي والانهيار.
من المؤكد أن عدة أطراف دولية لا تضع اهتماماً جدياً لما يجري في اليمن، وأن الأعمال هي على نقيض الأقوال، والدال على هذه الحقيقة هو أن الأمم المتحدة عوضاً عن المضي في طريق الحل الذي يبدأ بإنهاء الانقلاب ساهمت على بقاء ما ترتب عن الانقلاب في حال استمرار.
من هنا يتعين على دول المنطقة، الحذر من أي محاولات لا تهدف قبل أي شيء آخر لخروج اليمن من الانقلاب، الذي سيكون مفتاح الخروج مما آلت إليه من كارثة هذا الانقلاب وأبشعها حرب الدمار. والطريق إلى هذا، يبدأ من إعادة دور عربي فعال وباقتدار، وإلى تعزيز قضية اليمن بأهميتها على المنطقة وعلى ما يهم الدول العربية في الأمن والاستقرار.