غير مصنفة

اليمين المتطرف يحكم النمسا

د.غسان العزي

في 15 أكتوبر/‏تشرين الأول، وصل «حزب الحرية» اليميني المتطرف إلى المركز الثالث في الانتخابات التشريعية النمساوية. لكن بسبب تبعثر المشهد الحزبي أفضت المفاوضات، التي دامت حوالي الشهر، إلى ولادة ائتلاف حكومي جديد بين اليمينين المحافظ والمتطرف، فحصل الأخير على ثلاث حقائب سيادية أساسية هي الخارجية والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى السكرتارية العامة لوزارة المالية، فبات وكأنه يحكم النمسا، وذلك للمرة الأولى منذ ولادته في خمسينات القرن المنصرم. فقد أكد زعيمه هاينز – كريستيان ستراتشه، في خطاب النصر، بأن حزبه بات يحتل ٧٥٪ من السلطة التنفيذية كون المحافظين قد اعتنقوا نصف أفكاره ووضعوها في برنامجهم الانتخابي.
وقد فاز زعيم «الحزب الشعبي» اليميني المحافظ سيباستيان كورتز بالمركز الأول في الانتخابات فبات مستشاراً للنمسا بعد أن كان اليسار يحتل هذا المنصب منذ عقد كامل. وكورتز الذي يعد اليوم الزعيم الأصغر سناً في العالم (٣١ عاماً)، مؤيد رغم كل شيء لبقاء النمسا في الاتحاد الأوروبي، لذلك سيمسك بوزارة الشؤون الأوروبية فيُطمئِن الشركاء الأوروبيين سيما وأن بلاده ستتولى الرئاسة الدورية للاتحاد في النصف الثاني من العام المقبل. وقد فرض على حزب الحرية أن لا يتضمن برنامج الائتلاف الحكومي أي وعد بتنظيم استفتاء شعبي على خروج النمسا من الاتحاد الأوروبي.
هذا البرنامج الواقع في ١٨٣ صفحة يتضمن إلغاء وتخفيض عدد من المساعدات الممنوحة للمهاجرين والذين سيكون عليهم الانتظار عشر سنوات على الأقل قبل استحواذهم على الجنسية النمساوية. كما يتضمن إنشاء صفوف خاصة في المدارس لأبناء اللاجئين منفصلة عن صفوف أبناء المواطنين وذلك بذريعة مستواهم الضعيف باللغة الألمانية، وتشديد الرقابة على«دور الحضانة من الطائفة الإسلامية» رغم الغموض الذي يكتنف هذا التعبير.
الملفت أنه وعلى الرغم من أن العالم كله يتجه إلى منع التدخين في الأماكن العامة فإن الحكومة الجديدة لن تطبق القانون الذي أبرم في العام ٢٠١٥ والذي كان سيجري بدء العمل فيه في مايو/‏ أيار المقبل، والمتعلق بمنع التدخين في الأماكن العامة، وذلك باسم «حرية النمساويين» كما صرح هاينز – كريستيان ستراتشه. هذا الأخير، المعروف بتصريحاته العنيفة ضد الإسلام «الذي لا مكان له في النمسا» كما يقول، عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه النصر وذلك على تلة كالنبرغ في ضاحية فيينا. ولهذا المكان رمزية خاصة إذ إنه شهد بداية انسحاب العثمانيين من فيينا في العام ١٦٨٣، كما علق الصحفيون، على الرغم من قول سيباستيان كروز بأن الأمر محض مصادفة. هذا المستشار الجديد فاخر بأنه عندما كان وزيراً للخارجية في الحكومة المنصرمة نجح في وقف مد الهجرة إلى النمسا وهو وعد كرر إطلاقه في حملته الانتخابية. وهكذا فإن الهجرة والإسلام كانا الموضوعين الأساسيين اللذين دارت حولهما معركة الانتخابات التشريعية.
لقد توقعت استطلاعات الرأي أن يحصل حزب الحرية الشعبوي على ربع الأصوات تقريباً رغم الكشف عن ماضي زعيمه النازي ورغم الكلام العنيف الذي تلفظ به ضد الإسلام والمهاجرين والاتحاد الأوروبي. ولكن ما لم يكن متوقعاً هو دخوله إلى الحكومة بهذه القوة واستحواذه على هذه الوزارات الأساسية.
هذا الحزب ليس طارئاً على الحياة السياسية النمساوية، فقد تأسس في خمسينات القرن المنصرم كي يستجمع صفوف الليبراليين المعادين للشيوعية والنازيين الذين لم يعد لهم من نفوذ، قبل أن يسيطر عليه يورغ هايدر في الثمانينات ويجنح به إلى المزيد من التطرف والشعبوية. وعلى خلاف دول أوروبية أخرى كألمانيا أو فرنسا فإن الأحزاب الشعبوية المتطرفة في النمسا لا تعاني التهميش والنبذ والتنديد، بل حتى إن تشكيل تحالفات حكومية معها ليس بالأمر المحرم أو «التابو». وقد دخل حزب الحرية إلى الحكومة عبر ائتلافات مع المسيحيين-الديمقراطيين أو الاشتراكيين- الديمقراطيين في الأعوام ١٩٧٠ وبين ١٩٨٣-١٩٨٦ ثم بين العامين ٢٠٠٠ و٢٠٠٦، ولو من موقع أقلي ضعيف.
مع الحكومة الجديدة هناك خوف من أن تغدو النمسا أقرب إلى هنغاريا وبولونيا المعاديتين لأوروبا، أكثر منها إلى فرنسا وألمانيا، وأن تجنح إلى السلطوية بعيداً عن حقوق الإنسان في وجود رأي عام تكشف استطلاعات الرأي عن رغبته برؤية رجل قوي على رأس السلطة.
لكن المتفائلين في أوروبا يعولون على المؤسسات النمساوية الراسخة والقادرة على الدفاع عن قيم الحرية والعدالة، بدليل أن الائتلاف الحكومي الجديد وعد بعدم طرح مسألة الخروج من أوروبا على الاستفتاء. فالنمسا لا تستطيع الاستغناء عن هذا الاتحاد ولا عن ألمانيا رغم أنها سوف تدخل في جدال صعب مع شركائها الأوروبيين حول مسائل شائكة مثل الموازنة والمهاجرين واللجوء السياسي وغيرها.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى