غير مصنفة

انتفاضة صنعاء

صادق ناشر

خلال اليومين الماضيين شهدت العاصمة اليمنية صنعاء تطورات لافتة في إطار الصراع بين ميليشيات جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وصلت إلى حد المواجهات المسلحة بين الجانبين قبل أن تتحول إلى انتفاضة شاملة، قادتها القوات الموالية لصالح، بما فيها الحرس الجمهوري، أسفرت عن تمكن هذه القوات من كسر هيمنة الحوثي والسيطرة على عدد من مفاصل الدولة التي كان الحوثيون يمسكون بها منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.
من الواضح أن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى طريق مسدود، خاصة أن ميليشيات الحوثي حاولت أن تفرض مشروعها على المؤتمر، الذي يتزعمه صالح، ورمت بالشراكة السياسية والعسكرية جانباً، وبدأت بتنفيذ مشروعها الخاص، المرتبط بإيران في إطار مشروع كبير للهيمنة على المنطقة العربية.
وصل الاحتقان بين الجانبين إلى ذروته مع استمراء جماعة الحوثي إذلال المؤتمر وكوادره والوزراء المنتمين إليه في إطار ما يعرف بـ«حكومة الإنقاذ»، وأقدمت الجماعة على اقتحام الوزارات والمؤسسات التي تقع تحت سلطة المسؤولين المحسوبين على المؤتمر، وصل الأمر إلى فرض رؤيتها على حزب صالح في ما يتعلق بقضايا كثيرة، داخلية وخارجية، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال، هي إقدام جماعة الحوثي على مهاجمة منازل الرئيس السابق علي صالح وأقاربه، وقتل عدد من المنتمين إليه ومطاردة ناشطيه وكوادره الإعلامية والسياسية بطريقة مهينة، بدا معها الوضع وكأن الجماعة في طريقها إلى التهام حزب المؤتمر الشعبي العام وتحويله إلى مجرد «محلل» لسياساتها ومخططاتها المرتبطة بالخارج.
ما لم يفهمه الحوثيون، أن مشروعهم لم يكن أبداً، وطنياً ونابعاً من الخصوصية اليمنية، التي ترفض الارتباط بالمشاريع الخارجية، خاصة ما يتصل بالمشاريع المذهبية، حيث تجرأت الجماعة على استيراد مشروع خارجي متمثل في طهران، التي زودت الجماعة منذ حكم الرئيس السابق صالح، بالسلاح والمال وآزرتها إعلامياً، من خلال فتح قنوات فضائية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسهلت لها الوصول إلى المحافل الدولية بما تمتلك من إمكانات.
انتفاضة صنعاء، والتي حظيت بتأييد الشارع اليمني، تؤكد حقيقة أن مشروع الحوثيين لا مستقبل له في البلاد، فلم تكتف الجماعة بالاستيلاء على السلطة بمؤسساتها الدستورية ومعسكرات الجيش، بل إنها عملت على تغيير وعي المواطن اليمني عن ثوابته السياسية، التي قدم آلاف الشهداء من أجل تكريسها لأكثر من 50 عاماً، بالثورة التي قام بها ضد الإمامة ومشروعها المتخلف. فقد أثبت الحوثيون خلال ثلاث سنوات، أنهم لا يحملون أي مشروع وطني، بل مشروعهم مستورد من الخارج، سيكلف اليمنيين ضحايا كثراً، لأنه يعيدهم إلى ما يطلقون عليه «الحق الإلهي في الحكم»، يتمثل بجماعة الحوثي.
حملت جماعة الحوثي بذرة نهايتها بنفسها، عندما أرادت أن تكرس في وعي الناس كذبة أنها صاحبة الحق الإلهي في حكم الشعب، وهو ما ركزت عليه خطابات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، المختبئ في أحد كهوف صعدة، محرضاً على إذلال الناس، الذين قتل منهم الآلاف ليعبر على جثثهم إلى مشروع إيران المدمر في المنطقة برمتها.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى