باب الخروج
سالم الحارث
انقضى الأسبوع بكامل تفاصيله و أحداثه مؤذناً ببداية العطلة الاسبوعية وقد أخذ مني الجهد ما أخذ وقبيل انتهاء ذلك اليوم أحسست بتعب وضيق شديد ، سوزان ممرضة العيادة نصحتني بأخذ قسطاً من الراحة وعدم بذل مجهود ، فقررت قضاء تلك العطله متأملاً مسترخياً بعيداً عن الضوضاء وبعيداً عن كل ما قد يشغلني . نصحني أحد الزملاء للتغلب على التوتر بعدة طرق ومنها القراءة .. كنت قد جمعت بعض الكتب بذلك الاسبوع لإعطائها لزوجتي متوعداً اياها بشغلها بالقراءة لعدة مواضيع لمعرفتي بحبها للمطالعة فأخذت بعضاً منها بنهاية اليوم لشغل نفسي بها.
قررت بذلك اليوم متحدياً نفسي الإستغناء عن اجهزتي الذكية وقفلها تماماً على الأقل ولو ليوم واحد ، وفعلا أغلقت جميع انواع الاتصال بي وكلنا نعرف بقرارة انفسنا بأننا اصبحنا طواعاً عبيداً لتلك الأجهزه ولمواقع التواصل وتناقل الأخبار بسرعة مخيفة وقد تفوقت على سرعة الضوء والصوت وكل ماهو سريع . اصبحت تلك الأجهزه مصدراً كبيرا للتوتر والصداع والضحك والحزن وكل من امور حياتنا لا يفصلنا عنها سوى النوم فيما عدا ذلك اصبحت جزأً لا يتجزأ من حياتنا ومع زخمها وزحمها وقصر الوقت من منا الآن قد يقرأ كتابأ او جريدة بأوقات الانتظار او اوقات الفراغ .. لا أحد .. جميع الفئات اجتاحتها تلك الثورة وغزت حياتهم سواءً رجالا ام نساء اطفال او شيوخ اغنياء ام فقراء اصبحت إدمان يمشي بعروقنا وكأننا لا نتخيل حياتنا بدون تلك الأجهزه او بدون التواجد على مواقع التواصل الإجتماعي. لا تتوقع مني عزيزي القارئ بأن أطلب منك أن تتخيل حياتك بدون تلك الأجهزه الذكية لأنه امر صعب ليس عليك فقط ولكن علي أنا بالمثل .
خلال ذلك الوقت بدون إتصال مباشر بي أحسست ولو للحظات بأني لست عبدأ واني ممكن أن امارس أي هواية او نشاط بدون سيدي الذي قررت الإستغناء عنه بمحض إرادتي ..
ولكن لا أخفيك سراً بأنني بدأت بسمع إشعارات ونغمة الموبايل ونغمات وطنطنة إشعارات الواتس أب وكأني بدات اهلوس او بدت المخيلات بعقلي او أنني احتاج لجرعه ولو بسيطه من جهازي .. قاومت رغبتي وبشدة عن عدم فتح الجهاز والنظر إليه .. مع أنشغالي بأولادي واللعب معهم كنت قد انشغلت عنه قليلاٌ حتى ان أحدى بناتي قالت لي ( بابا عطني جوالك ) وكأنها مستغربه او فاقدة ذلك الشيء بيدي ومع حلول الساعه الثامنه كانوا جميع من بالمنزل قد أووا الى الفراش وكنت انا وحيداً بدون جهازي .. آسف بدون سيدي ، حاولت الهروب من التفكير به ومشاهد التلفاز مقلباُ القنوات وليس متابعاً لشيء محدد .. قررت ان أبدأ القراءة بما أنه وقت مناسب وهدوء فأخذت أحد الكتب وكانت روايه قصيره للكاتب طارق فراج أسماها باب الخروج .. قد يكون هناك رابطاً ولو بالصدفه حاكاه ذلك الكاتب لتجربتي هذا اليوم .. فعلاً اعددت كوب الشاي وجلست على أريكتي المفضله وبدات بالقراءة وبأختصار تدور حول قرية ريفية نائية بمصر تقع بالصحراء أبطال تلك القصه قد لا يتجاوزن العشر شخصيات يعود الكاتب بتلك الرواية الى ثلاثينيات القرن الماضي.
لست من محبي الروايات والقصص فعادة ما أقراء بالكتب العلمية وبما يخص مجال عملي بالإدارة والتسويق وغيرها من الكتب ولكن شدني أسلوب الكاتب بوصفه لتلك القرية وكأنني بالفعل أعيش معهم وقد ذقت بفمي حلاوة البلح من إحدى المزارع والزبدة بالبيض من يدي فاكهه الغزية وحتى الماء البارد من القله الخاصه بالعمة فوز أحد ابطال تلك الرواية … ما شدني برواية باب الخروج ما وصفه الكاتب بأن حياة القرية البسيطة ممله واليوم نفس غداً ونفس قبل أسبوع ونفسه هو بعد شهر كان يأمل ويحلم بالخروج والذهاب للقاهرة ورؤية العمران والتطور وكأني أقول لطارق فراج بأن حياة تلك القرية الممله لها حلاوتها وطعمها التي لن تجده بتلك المدينة الزاخمه بعمرانها وتطورها.
بالألفية الثانية غزت حياتنا التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي فأصبحنا منعدمي الخصوصية حتى بحياتنا الشخصية .. فبأمكانك تحديد مزاج الشخص من صور البروفايل بملفه الشخصي او مواضيعه او من تغريداته بتويتر اصبح بامكانك السفر لثواني وترى اقاصي الغرب واداني شرقها بواسطة سيدي الجهاز الذكي .. لم يعد لأشياء كثيره طعمها وحلاوتها لانه لم يعد يبهرنا شي تمنيت فعلا بأنني بعيداً هذا الغزو وهذه الثورة التي اصبحت فعلاً شغلنا الشاغل واصبحت تأخذ من وقتنا الكثير.
مع انتهائي من قراءة الرواية استسلمت للنوم ومنتظراً ليوم الغد لكي ابدأه مع سيدي الجهاز وأرى ما فاتني .. انقضى ما يقارب ستة عشر ساعه فقط حيث لم اقدر على اكمال يوم كامل ومع فتحي للجهاز انهالت علي كم كبير من الرسائل النصية والواتس اب والبريد الإكتروني وتغريدات تويتر قد يستغرقني اسبوع او أكثر لقرائتها في تلك المدة مات من مات ومرض من مرض وسافر من سافر ولكني كنت بعيداً عن ذلك العالم وعشت نصف يوم بعيداً عنهم فقد سافرت مع كاتب الرواية وعشت قصتها بعيداً عن جهازي ورجعت لزمن البساطه بحلوه ومره .
نحتاج أحياناً للبحث عن باب للخروج عن زخم الحياة وتعبها وأن نعيش ببساطه بدون تكلف وننعم بصفاء ذهني ولو لقليل من الوقت.