مقالات عامة

بدايات…!

مريم البلوشي

أتذكر من أمسك بيدك في بداياتك؟ من علمك أن تمسك فرشاة في يدك، من همس في أذنك وقال إنك مبدع؟ من حمل معك أدواتك؟ من قرأ معك مستقبلك؟ من ابتسم يوماً من لوحة رسمتها، كلمة كتبتها؟ هل تذكر فرحة البدايات؟ حين قيل إنك ذو موهبة؟ هل تدرك اليوم وبعد عمر وجيل بعد جيل أنك كنت في البدايات تحلم كثيراً بأن يكون معك من يشجعك؟ يربت على كتفك ويقول لك استمر، تعلم، تدرب، ثابر وكن متفرداً…!
هل أصبحت اليوم فناناً؟ كاتباً؟ مهندساً؟ موسيقياً؟ نحاتاً؟ حالماً؟ كل المهارات التي لديك اليوم، وكل حالات التعب والإرهاق، كل مراحل التدريب والاستمرار، وسنوات التجربة مرات ومرات، أتذكرها اليوم؟ أصبحت اليوم تعرف كيف أصبحت ما أنت عليه، فهل ستتمنى يوماً ما أن تعود إلى الوراء؟ كلنا حين ينظر للوراء يقول «يستحق كل التعب والعناء» ليس هناك لذة في النهايات دون بدايات، ليس هناك إحساس بما لدينا إن لم يختلط بعرق الفشل الأول، وإعادة المرات مرات ومرات…
بين طفولة وبلوغ، بين حلم وحقيقة، كل الأعوام اليوم هي ذكريات، خبرات وتجارب تستحق أن تدون، إن لم تنتقل بين الأجيال، كل تلك الصعوبات تستحق أن تترجم بينا الأعمار، أن يبنى جسر من حوار وأن يكتب بسطور للمستقبل كيف أن الأجيال تكمل بعضها في استدامة الإبداع، في ديمومة الحراك الفني الثقافي، الإنساني في كل المجالات دون حصرها، هي البدايات التي تبدأ أحيانا مع صف الكبار ويتشربها الصغار، هي البدايات التي تأخذ الكبير والصغير في عالم ليس سوى حقيقة تبني مستقبلاً أكثر إنجازاً، هنا يأتي الكبير ليحتضن الصغير، حين نقدم للمجتمع بعض ما أعطانا، ونرد الجميل بأن ننقل الخبرات ونعلم غيرنا… وبأن نكون متواجدين من أجل أنفسنا والآخرين في رحلة تتجدد بالعطاء، وترسوا مراسيها بين المحاولات الأولى والخبرة التي تختصر سنوات من العمر في حالة احترافية متأصلة بنماذج تستطيع أن تحدث حالة الإدراك والمفاجأة الحسية البصرية…!
اليوم نحتاج لهذا الامتزاج والمبادرات التي توجد حاضنات بشرية لمختلف الفنون الحياتية، حتى يكون رافدا ممتدا، وجمالاً متكرراً في أصالة وعمق ليس مشوباً بكل مسرعات العصر التي لم تعد تعلم الطفل معنى التريث والتجربة، الهدوء والتدريب، الصبر على الكثير قبل مواجهة المجتمع بنتاج ربما يظل ولربما يمر مرور الكرام، في معرض «بدايات» لمركز الجليلة لثقافة الطفل، معرض للأطفال في فن الخزف، كانت دعوة جميلة جاءتني في صورتها التي تمتد فيها الجذور متأصلة بالأرض الثابتة حتى توجد توليفة حقيقية للامتداد والاستدامة، في صورتها وكلماتها بين بدايات الموهبة والمحترفين، فشكراً لهذا المعرض، وشكراً لمن قام عليه، شكراً لكل من يحمل هم الموهبة والطفل، والبدايات هي التي تحقق لنا المستقبل.

Mar_alblooshi@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى