«بريكست».. حفل أم مأساة؟
مفتاح شعيب
ربما يكون توقيع اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فرصة لبعض الدول للنسج على منواله، بينما لم يُفوت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الحدث ليذكر أن المنظومة الأوروبية بحاجة إلى «إعادة تأسيس»، ما يتماشى مع رؤيته المدعومة من ألمانيا، التي تعمل على صناعة أوروبا جديدة.
طريق المفاوضات بين لندن وبروكسل، كان شاقاً وتخللته لحظات حرجة، فقد أحدث انقساماً كبيراً في بريطانيا، ومازال هناك من يفكر في إعادة الاستفتاء عليه. وفي الجانب الأوروبي تأمل الأحزاب اليمينية أن يتفكك الاتحاد الأوروبي، وتعود الأوضاع إلى ما كانت قبله، متضاربة المصالح وتحتفظ في سجلاتها بعداوات تاريخية وحروب مليونية الضحايا، ونزاعات تجاوزت حدود القارة.
وقد طويت تلك الصفحة الأوروبية السوداء فعلياً، وتم تجاوزها في مرحلة أولى، عندما تم تأسيس «السوق المشتركة» في أواخر خمسينات القرن الماضي. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار دول أوروبا الشرقية، وُلد الاتحاد الأوروبي ليكون أملاً كبيراً، أخذ يتسع حتى استوعب 27 دولة، ليصبح أكبر اقتصاد عالمي إذا عومل ككتلة واحدة، ولكنه عملياً لم يكن كذلك؛ لأن البناء لم يكتمل، ويعتبر استفتاء الخروج البريطاني، إحدى أكبر الصدمات التي تلقاها وتداعياتها ما زالت مفتوحة، فضررها غير مستبعد ونفعها ممكن إذا كانت الغلبة في المستقبل للمدافعين عن بقاء الاتحاد واستمراره.
وبعد توقيع الاتفاق في بروكسل، سيبدأ البحث في حسابات الربح والخسارة لدى الطرفين، ولكن النتيجة النهائية قد لا تظهر قبل سنوات من الانفصال. فمن يناصرون «بريكست» سيراهنون على نجاح التجربة، بمعنى أن تحقق بريطانيا مكاسب سياسية واقتصادية، وأن تكون قوة غير ملزمة بشركاء، أما معارضوه فيأملون أن تُخفق التجربة ، وفي إخفاقها قوة معنوية هائلة لحياة الاتحاد الأوروبي، ودعم لمشاريع تثبيت أركانه. وهذا التوجه تتبناه النخب الحاكمة حالياً في فرنسا وألمانيا، على الخصوص، فقد رحب البلدان باتفاق بروكسل واعتبراه «جيداً لأوروبا»، على الرغم من الشعور بالمرارة، الذي عبّر عنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، حين قال واصفاً حفل التوقيع: «إنها لحظة حزينة.. إنها مأساة».
المدافعون عن الاتحاد الأوروبي لا يُسعدهم أن تفارقهم قوة دولية مثل المملكة المتحدة. والحديث عن «المأساة» ينطبق على الجميع. فبريطانيا ينتظرها طريق طويل وشاق وهناك معركة متوقعة في البرلمان للمصادقة النهائية على الاتفاق في أجواء سياسية يشوبها التوتر والتصدع.
وفي الجانب الأوروبي لن يكون الوضع سهلاً، فاليمين المتطرف يرفع معاوله لهدم الصرح الاتحادي، وإذا فشلت القوى الوسطية في الحفاظ على الإنجاز، ستكون المأساة الأوروبية شاملة وستعيد التاريخ عقوداً إلى الوراء.
chouaibmeftah@gmail.com