قضايا ودراسات

بعد انحدار الثقافة والقيم

عبداللطيف الزبيدي

هل يدل انحدار الثقافة والقيم، على مسيرة نحو الغروب، تعقبها حتمية التحول؟ لا توجد حركة عظمى متكررة، أو ظاهرة واسعة النطاق متعددة الوجوه، إلاّ ولها ارتباط بنيوي بقوانين الطبيعة. الإنسان في وجوده المادي واللامادي تحكمه فيزياء الكون.
في هذا الطرح تمتزج المأساة بالملهاة. المقارنة بليغة بين المسيرتين الغربية والعربية. ظلت الأجناس الثقافية في أوروبا، تنمو منذ انبثاق عصر النهضة، مطلع القرن السادس عشر، إلى عتبة القرن العشرين، أي طوال خمسمئة سنة. كان عهداً ازدهرت فيه كل الإبداعات الممكنة في الفلسفة والفكر والآداب والفنون، بلغت قمماً قياسية بلا منافس في الموسيقى السيمفونية بالذات. حين أطل القرن العشرون، انهارت كل الصروح الفنية الشامخة. بدأ عصر تغيّر مفهوم الفن. لا أحد يجرؤ على إقناعنا بأن موسيقى المونتاج يمكن مقارنتها بأعمال بيتهوفن، أو تصورها امتداداً طبيعياً للسيمفونية التاسعة.
لا علينا بالقفزات العلمية العملاقة التي أتت في القرن الماضي بثورة في العلوم أعظم من ثورة كوبرنيك. انظر ما الذي جرى في العالم العربي، فالقفزة الثقافية في القرن العشرين دامت خمسين عاماً (مقارنة بخمسمئة غربية) من 1920 تقريباً إلى حوالي 1970. كان العطاء الإبداعي أشبه ببركان ألقى بما فيه ثم خمد. لا أحد يجرؤ على إقناعنا بأن أعمال الهبوط يمكن مقارنتها بروائع محمد عبدالوهاب، السنباطي، والرحباني. قس على ذلك كل المجالات الثقافية الأخرى. المؤسف هو أن الأجناس الثقافية بعد العقد الرابع كانت في معظمها تقليداً للأوروبية في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، حتى في النقد الأدبي. لكن العقل العربي «تعفف» عن التقليد في التقدم العلمي والتنموي والاقتصادي والمناهج التربوية التعليمية وحريات الفكر والرأي والتعبير، والأهم البحث العلمي، والأهم منه بناء الدولة القادرة على البناء الحضاري.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: يبدو انحدار الغرب في الثقافة والقيم مبشراً بعالم جديد، كما أن طول ليل العقل العربي قد جاوز المدى، أليس الصبح بقريب؟

abuzzabaed@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى