مقالات عامة

بغداد ليست طهران

د. حسن مدن

أثارت تصريحات أدلى بها، في بغداد، المسؤول الإيراني علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى، ردود فعل غاضبة في أوساط عراقية واسعة، سياسية ومجتمعية، وخاصة القوى المدنية التقدمية والليبرالية، ومن ضمنها التحالف الذي يستعد لخوض الانتخابات القادمة ضمن قائمة «سائرون»، الذي يطرح نفسه بديلاً للاستقطاب المذهبي والطائفي القائم في العراق حالياً، وضد فساد النخبة السياسية الحاكمة التي تربعت على قمة الهرم السياسي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
تصريحات ولايتي جاءت فيما أطلق عليه: «المؤتمر التأسيسي للمجمع العراقي للوحدة الإسلامية في العراق»، وتضمنت تحريضاً فاقعاً ضد التيارات التقدمية العراقية، بلغ حد رميها بالإلحاد، في مسعى إيراني واضح في منع تبلور بديل وطني عراقي، يخرج البلد من مأزقها، ويعيد للعراق حيويته السياسية والفكرية الناجمة عما فيه من تعدد فكري وثقافي وسياسي، عرف به خاصة في المراحل الأولى لتأسيس الدولة الوطنية العراقية.
ردة الفعل الغاضبة في العراق على تصريحات ولايتي وجدت تجلياتها في التأكيد على أن «العراق وطن الجميع بمختلف توجهاتهم العقائدية والإيديولوجية»، وفي رفض مواصلة اختطاف القرار السيادي العراقي أو التأثير فيه، ومن ذلك قول رئيس تحالف «سائرون» د. حسن العاقولي إن «العراق كان ولا يزال محط أنظار كل العالم بما يجري في ساحته السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث تضع الدول الطامعة عيونها على الساحة العراقية في محاولة لاختطاف قراره السيادي أو التأثير فيه».
وترى الأوساط المدنية أن تصريحات ولايتي بالمحتوى الذي جاءت به مقصودة، عشية الانتخابات المقبلة، حيث بلغ ضجر العراقيين وتذمرهم من هيمنة أمراء الطوائف على العراق حدوده القصوى، وصاروا يتطلعون لإدارة وطنية نزيهة وعادلة، تنهي ما يعرفه البلد منذ سنوات من صراع بين مكونات النخب الطائفية على اقتسام النفوذ وسرقة المال العام والعبث به، حيث صارت الثروات المهولة التي جمعها أفراد هذه النخب خلال سنوات قليلة مضرب الأمثال في العراق وخارجه، وألهى نهب أموال الدولة هذه النخبة عن الاهتمام بشؤون الوطن ومصيره، فشهدنا ما شهدناه من وقوع أكثر من ثلث أراضيه تحت قبضة التنظيم الإرهابي «داعش».
بغداد ليست طهران، والعراق ليس إيران، أو هكذا يجب أن يكون على كل حال، وليس من حق قوة خارجية أن تتدخل بهذا الشكل الفج في شأن داخلي صرف يخص العراقيين وحدهم، وهو الانتخابات النيابية في بلادهم، وأن يبلغ هذا التدخل حد الإملاء على العراقيين في اختيار من يمثلهم في البرلمان المقبل، بتزيين صورة بعض القوى المنساقة وراء النهج الإيراني، والتعريض بالقوى الوطنية العراقية الصميمة، التي قدمت على مدار عقود طويلة أغلى التضحيات في سبيل العراق الحر السعيد، والمعروفة بنزاهتها وإخلاصها لوطنها وشعبها ولتطلعاته في إقامة دولة مدنية حرة، غير خاضعة لإرادة وتوجيهات الخارج.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى