بوتين والحرب الباردة الجديدة
نبيل سالم
يوم الخميس الماضي، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يمكن وصفه بقنبلة سياسية استراتيجية؛ وذلك عبر خطاب ناري يعيد إلى الأذهان حقبة الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفييتي السابق والغرب، ففي كلمته أمام البرلمان الروسي استعرض بوتين وضع الاتحاد الروسي؛ وذلك قبل أيام من الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها يوم 18 مارس/آذار الحالي، التي يبدو أنه يضمن النجاح فيها مسبقاً. ومن تابع تفاصيل كلمة الرئيس الروسي يجد بأنه لا يوجد فارق كبير، بين بوتين وغيره من قادة الاتحاد السوفييتي السابق، إن كان من جهة الخطاب الناري، الذي ألقاه وأعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة، أو من خلال الاصطفاف السياسي الواضح خلف بوتين، ولاسيما في صفوف قيادات الجيش، التي يراهن عليها بوتين في دعايته الحربية.
فبغض النظر عن الأسلحة الجديدة، التي كشف عنها الرئيس الروسي، ولا سيما في الصواريخ العابرة للقارات، و«سارمات» أو الغواصات النووية غير المأهولة القادرة على ضرب أهداف استراتيجية، وحتى حاملات الطائرات، فإن افتتاح خطابه بالحديث عن الصمود والانتصار الروسي في ستالينجراد إبان الحرب العالمية الثانية، يحمل الكثير من المعاني والرسائل السياسية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أيضاً استشهاد بوتين بالمعارك التي يخوضها الجنود الروس في سوريا، ودورهم الذي وصفه بالبطولي، في ساحة يبدو فيها التناقض واضحاً بين موسكو والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة.
زد على ذلك الصورة التي حرص بوتين على تقديمها لبلاده، على أنها الدولة المحتقرة من طرف الغرب منذ انهار الاتحاد السوفييتي. قد يفسَّر الأمر على أنه يمثل تحدياً لهذا الغرب المعتدي كما بالأمس، وهو أمر يزيد حالة الاحتقان بين الطرفين.
ومع أن البعض حاول تفسير خطاب بوتين على أنه ليس سوى لعب على وتر الوطنية التي أسس من خلالها بوتين لقبضته الحديدية على الحكم. إلا أن أحداً لا يستطيع إنكار القلق الروسي الحقيقي من اقتراب الترسانة الصاروخية الأمريكية من حدود روسيا، وهو قلق مشروع في ظل تناقض المصالح في الكثير من بقاع العالم، ولاسيما في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الرئيس الروسي، الذي أدرك على ما يبدو الخدعة التي قام بها الغرب إبان حكم الرئيس الأمريكي السابق، رونالد ريجان، حول فكرة عسكرة الفضاء، التي استنزفت في حينه الجزء الأكبر من الخزينة السوفييتية، يحاول في خطابه أيضاً التركيز على أهمية النهوض الاقتصادي في بلاده، وحتى تحولها إلى بلد مصدر للمزروعات على سبيل المثال، وتحسين مستوى الحياة للشعب الروسي، بالتوازي مع تقوية وتعزيز قدرات الدفاع الروسي.
ومع أن الولايات المتحدة حاولت التقليل من أهمية الخطاب البوتيني القوي؛ لكن الكثير من المتابعين للعلاقات بين روسيا والغرب، يرجحون تطور العلاقات الأمريكية- الروسية نحو الأسوأ.
وعلى الرغم من استحالة الصدام المسلح المباشر بين الطرفين، إلا أن هذا التوتر سينعكس بالتأكيد على شكل حروب بالوكالة، وقد تكون الساحة السورية إحداها؛ بل أكثرها خطورة في المستقبل المنظور، في ظل التعارض الواضح بين الطرفين، والتداخل الإقليمي والدولي في هذه الأزمة.
أخيراً يمكن القول إن خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد يشكل نقطة انعطاف مهمة على مستوى العلاقات بين روسيا والغرب، لاسيما وأن روسيا ترى نفسها مهددة وبشكل فعلي أكثر من أي وقت مضى.
nabil_salem.1954@yahoo.com