بوتين يرسم سلطات روسيا
ليونيد بيرشيدسكي
عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن القيام بإصلاح جذري لنظام الحكم في روسيا مؤخراً، قام بإنهاء عصر ميدفيديف. كان ديمتري ميدفيديف، على الأقل رسمياً، أقرب صديق لبوتين وهو السياسي القوي الأكثر استعدادا لتقاسم السلطة الرسمية معه.
وسواء حان الوقت لنشر نعي ميدفيديف السياسي أم لا، فإن خدماته التي قدمها لقمة هرم السلطة العمودية في روسيا سوف تبقى مثالاً على كيف يمكن لنظام بوتين أن يخنق أي نوايا للتحديث.
استقال ميدفيديف فجأة كرئيس للوزراء، دون أي اشعار مسبق لأعضاء حكومته الذين اضطروا أيضاً إلى تقديم استقالاتهم. وقال ميدفيديف، «نحن كحكومة يجب أن نمنح رئيس البلاد الفرصة لاتخاذ جميع القرارات اللازمة»، ذلك على الرغم من أنَّه لم يكن من الواضح كيف يمكن أن يؤدي استمراره في شغل منصب رئيس الوزراء إلى الحيلولة دون تحقيق إصلاحات بوتين.
أعرب بوتين عن امتنانه الفاتر لخدمات رئيس الوزراء قائلاً «لم ينجح كل شيء، لكن من الصعب أن تنجح في كل شيء». لقد تجنَّب بوتين دائماً استبعاد المقربين الموثوق بهم، لكن كرئيس للوزراء منذ عام 2012، ترأس ميدفيديف أطول فترة في روسيا شهدت انخفاض الدخول الحقيقية خلال حكم بوتين الذي دام 20 عاماً. لم تكن البداية رائعة لانطلاق خطة إنفاق «المشاريع الوطنية» الحكومية البالغة 400 مليار دولار المصممة لتصحيح الأمور.
الوظيفة الجديدة التي قدمها بوتين لميدفيديف لم تكن موجودة من قبل، حيث استحدث منصب نائب رئيس مجلس الأمن، وهي هيئة استشارية تضم قادة أمن جبارين في روسيا. يرأسها بوتين رسميا ولكن يديرها سكرتيره، قائد الشرطة السرية السابق نيكولاي باتروشيف.
وقد وصف المجلس من قبل وسائل دعاية الكرملين بأنه أقرب ما يكون الى مهمة المكتب السياسي للاتحاد السوفياتي السابق. لذا فإنَّ المنصب الذي استحدث مؤخراً، في وجود بوتين كمشرف مباشر، يمكن أن يكون مؤثرا بشكل كبير، لكن ربما لن يكون كذلك عندما يملأه ميدفيديف الذي لم يحترم يوماً مسؤولي الأمن مثلما يفعل بوتين، نظرا لتاريخ وتدريب بوتين في جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي).
تعني خطوة نقل ميدفيديف أنه من غير المرجح أن يكون خليفة بوتين كرئيس عندما تنتهي فترة ولاية الأخير عام 2024، وأنه لن يعود إلى منصب رئيس الوزراء الذي تسلمه مؤخرا تكنوقراطي ماهر للغاية، هو رئيس مصلحة الضرائب السابق ميخائيل ميشوستن.
اتخذت حياة ميديفيديف المهنية مسارا هابطا، وهو أمر ربما توقعه. لسنوات طويلة، كان ميديفديف يشعر بالملل لدرجة الغثيان من المناصب الرسمية. فكثيرا ما شوهد مرارًا وتكرارًا وقد أغلق عينيه وكأنه ذهب في سبات عميق. نشر السياسي المعارض وناشط مكافحة الفساد أليكسي نافالني إحدى الصور التي التقطت عندما ألقى بوتين خطابه الأربعاء، وذيلها بتعليق يقول «هناك شيء واحد فقط في روسيا مستقر وغير قابل للتهديد حقًا – ديمتري ميدفيديف، نائم أثناء خطاب الرئيس عن حالة الأمة».
كان ميدفيديف، الذي كان يشعر بالملل الواضح والهزيمة في نهاية فترة رئاسته للوزراء، بعيدا كل البعد عن ذلك الرجل المفعم بالأمل والبهجة الذي بدأ فترة رئاسية مدتها أربع سنوات عام 2008 وسحر ألباب الرئيس الأميركي باراك أوباما ومساعديه، في محاولته إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. على الرغم من أن العديد من معارضي بوتين – وأنا أحدهم – لم يعتقدوا أبدًا أن ميدفيديف يمكنه أن يتبع سياسة مستقلة، أو أن يكون ممن يسمون الليبراليين النظاميين والمؤمنين بتغيير النظام من الداخل، فقد كانت آمالهم كبيرة في الزعيم الأصغر والألمع. لقد اعتقدوا أنه بإمكانه التخلص من نفوذ بوتين المحافظ إذا ترشح لفترة ثانية عام 2012، وأن روسيا ستصبح تدريجياً أكثر حريةً اقتصادياً وسياسياً.
لم يشأ بوتين أن يحيل صديقه الى التقاعد. فبوتين هو نفسه الذي تراجع عام 2011 عن السماح لميدفيديف بمتابعة مساره الإصلاحي. بوتين هو نفسه الذي أنشأ نظاما يشل أي نوع من التحرير الاقتصادي، وأطلق روسيا في مغامرات عسكرية حدَّت من قدرتها على تطوير التجارة. بوتين الذي أعطى ميدفيديف أملاً مبهجا في بناء روسيا أكثر حداثة، سرعان ما أخذه بعيدا، وأبى إلا أن يترك لخلفه السابق أي شيء سوى حياة فاخرة، كتلك التي تتمتع بها النخبة الروسية.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”