بورتريه عربي لماركيز
د. حسن مدن
حكى جابرييل ماركيز أنه كان لاجئاً، بمعنى من المعاني، في باريس فترة حرب التحرير الجزائرية من المستعمرين الفرنسيين، وبسبب ما وصفه ب«سحنته المغاربية»، كانت الشرطة توقفه على بعض نقاط التفتيش اعتقاداً منها بأنه جزائري معارض لفرنسا.
مخاوف الشرطة الفرنسية كانت في محلها من زاوية واحدة على الأقل، فعلى الرغم من كونه غير جزائري، أو حتى عربي أو إفريقي، فإنه كان متعاطفاً مع الثورة الجزائرية، وظلّ بحكم تكوينه اليساري متعاطفاً مع القضايا العربية، وبخاصة مع قضية الشعب الفلسطيني، ومعادياً للسياسات العدوانية «الإسرائيلية».
كشأن كتاب العالم الكبار تأثر ماركيز بالعمل السردي الأشهر في التاريخ العربي، ألا وهو حكايات «ألف ليلة وليلة»، وهو عمل من النادر ألا نجد في سير قمم الإبداع العالمي إشارة إلى تأثرهم به، لا بل ومحاكاة بعضهم له، أو استلهامه في أعمالهم.
اختار ماركيز رجلاً اسمه «نصّار» ليكون بطلاً لروايته القصيرة والشائقة «قصة موت معلن»، من أصول عربية، سورية بالتحديد، وهي التي يمكن أن تقرأ، في أحد وجوهها، على أنها إدانة لا لجريمة القتل التي تدور حولها أحداثها، وإنما، بالأساس، إدانة لكل المتفرجين على الجريمة، والذين كان بوسعهم منع القاتِلين من ارتكابها، خاصة أنهما كانا يُصرحان لكل من يصادفهما بأنهما ذاهبان لقتل «نصّار»، رغبة منهما في أن يثنيهما أحد عن ذلك، لكن أحداً لم يفعل.
حين سئل ماركيز، مرة، عما يعرفه عن العرب، قال إنه علم بأن كل رواياته ترجمت إلى لغتهم، وإنها تباع على الأرصفة في كبريات المدن العربية، لكنه لم ينل قرشاً واحداً من مجموع عوائد الطبعات المتعددة، لا بل والترجمات المتعددة، لتلك الروايات إلى اللغة العربية.
المعلومات الواردة أعلاه، والتي تسمح بتشكيل ما يمكن أن نصفه، مجازاً، بورتريهاً عربياً لجابرييل ماركيز مأخوذة من حديث للأديب حسونة المصباحي وارد في كتابه «يوميات الحمّامات»، خصصه للسخرية من المراثي العربية التي كتبت في وداع ماركيز بعد رحيله، مع أن الرجل لم ينل منهم خلال حياته أي تكريم، إذا ما استثنينا ترجمة أدبه، ولو على شكل «قرصنة»، كما ألمح هو نفسه. لم تفكر أية وزارة من وزارات الثقافة في العالم العربي أن يحل ماركيز ضيفاً عليها، خاصة بعد أن ذاع صيته إثر نيله جائزة «نوبل» للآداب مطالع ثمانينيات القرن الماضي، ويلتقي بالجمهور في محاضرات أو ندوات، وأن يوقع على ترجمة «قانونية» لعملٍ من أعماله، وأن يتاح للجمهور سؤاله عما إذا كانت الثقافة العربية تعني له شيئاً، أو أن يسمع منه ما الحقيقي وما المتخيل في «ماكوندو»، البلدة الافتراضية التي جرت فيها أحداث روايته الأشهر: «مئة عام من العزلة»، ولماذا اختار «نصّار» ذا الأصل السوري بالذات ليكون البطل الضحية؟
madanbahrain@gmail.com