بيت الداء

جمال الدويري
ارتفاع الأسعار أشبه بالكرة الثلجية، فإذا ارتفع سعر أي خدمة أو سلعة، فإن الأمر بالتأكيد سينعكس على خدمات ثانية ومرافق أخرى.
المثال بسيط؛ إذ إن ارتفاع قيمة إيجار أي محل، سيدفع صاحبه بالتأكيد إلى رفع أسعار السلع التي يبيعها بشكل مبالغ فيه؛ ليعوض القيمة الإيجارية التي يدفعها.
وبما أن صاحب العقار رفع إيجاره، وارتفعت أسعار السلع والخدمات عليه، فإن المستهلك الذي اشترى هذه السلعة أو الخدمة، سيبحث بالتأكيد عن أي شيء يملكه ليرفع سعره؛ ليعوض ما رفع عليه.
كذلك المدارس، فإذا ما رفعت المدرسة رسومها السنوية، فسيبحث ولي أمر الطالب، إذا كان تاجراً، عن أي سلعة أو خدمة يقدمها، ليرفع سعرها؛ ليعوض ما تحمّله.
المستشفيات والمحالّ والمشاريع التجارية الكبرى، خاصة تلك المقامة على أراضٍ مستأجرة، سيرفع صاحبها أسعار كل بضائعه وخدماته؛ ليعوض ما رفع عليه.
حتى صغار التجار يتشبثون بأي رفع يطول مناحي حياتهم، فيرفعون ما يقع تحت سيطرتهم، فتسأل صاحب محل هواتف عن سبب رفعه ثمن خدمة نقل الأرقام من هاتف إلى آخر، فيقول لك: هل تعلم أن موقف سيارتي في الساحة المجاورة للمحل يبلغ 10 دراهم للساعة الواحدة، وهو السعر نفسه في أغلبية المناطق، فكيف لا أرفع سعر خدماتي؟!.
أحد محالّ الخيم، جابهه زبائنه الذين يقصدونه لاستجار خيمة للعزاء أو للأفراح، باحتجاج شديد، وأبدى أحدهم استغرابه الشديد، من ارتفاع كلفة استئجار خيمة تسع نحو 200 شخص، يريدها لإقامة عزاء أحد أقاربه، وراح يصرخ في وجه صاحب المحل، (حتى الموت تتاجرون فيه).
صاحب محل الخيم، كانت لديه إجابة جاهزة على ما يبدو، فرد على الزبون، إذا كنت تحتج على رفعي أسعار إيجار الخيم، فلماذا لا ترافقني إلى صاحب المنزل الذي أسكنه، وتسأله: لماذا زاد عليّ إيجار البيت 15 ألف درهم في السنة؟ ورافقني أيضاً إلى المدرسة لنسألهم: لماذا رفعوا أسعار الأقساط المدرسية على أولادي الثلاثة؟ ورافقني إلى محال الخضراوات والفواكه واللحوم، وإلى كل الأمكنة، أيضاً، حينها ستعرف لماذا رفعت سعر الخيم.
هذا الحوار البسيط بين تاجر الخيم، و«المكلوم» الذي يريد أن يقيم عزاء لقريبه، يعكس واقع حالنا بشكل كبير، ويكشف السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار، وإذا كان البعض يرد السبب إلى ضريبة القيمة المضافة، فإن هذا الأمر غير صحيح، والحقيقة التي يتجاهلها كثُر، أن سر ارتفاع الأسعار يكمن في ارتفاع الإيجارات المبالغ فيها في المقام الأول، فهي بيت الداء والدواء، والمطلوب أن يحسم المعنيون الأمر، ويثبتوا الأسعار، وإذا كانت ثمة حاجة للزيادة، فلتكن بإشراف ورقابة صارمين، وبنسب محددة، ولا يترك الحبل على الغارب.
jdwairi@daralkhaleej.ae