مقالات عامة

بين أمريكا و «إسرائيل»

د.عبدالعزيز المقالح

الحمار هو شعار الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، والتعبير الشعبي «ركوب الرأس» كناية عن الحماقة والتمادي في الخطأ، وهو يعكس موقف هذا الحزب وإصراره في الموافقة على قرار الرئيس ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى «القدس». بعد الموقف العالمي الرافض والصارخ ومناشدة الدول المحسوبة على واشنطن لما يترتب عليه إجراء كهذا من فوضى سياسية وإقلاق للسلام العالمي. وذهاب البعض إلى القول بأن هذا الموقف قرار رئاسي ولا علاقة للحزب الحاكم به لا ينطلي على المجانين من البشر فضلاً عن العقلاء، فلا يمكن لرئيس دولة مهما كانت جرأته أن يخطو مثل هذه الخطوة دون أن يحظى بتأييد شامل من حزبه. وهذا ما يقوله الداخل الأمريكي الرافض لتصرفات الرئيس والحزب معاً. ولم يحدث ما يخالف هذا الإجماع منذ أعلن الرئيس ترامب نقل السفارة حتى الآن ولم يصدر عن الحزب الجمهوري ما يناقض موافقته الضمنية والعلنية.
لقد قيل الكثير والكثير عن العلاقة الخاصة جداً بين واشنطن و«تل أبيب» وعن التماهي السياسي والاقتصادي بين الدولة العظمى وهذه الدويلة المصطنعة، وأن هذه العلاقة تفوق علاقة الدولة الأمريكية بأهم ولاياتها. وإن هناك ولايات تعاني من الضغوط الاقتصادية والصحية فلا تجد من الرعاية ما تجده «إسرائيل» وما تتمتع به من أفضلية. حتى لقد قيل إن المكتب الرئيسي لوزارة الخارجية الأمريكية هو ذلك الموجود منذ فترة طويلة في القدس، ليس في العهود التي يتولى منها الحزب الجمهوري الحكم بل والحزب الديمقراطي كذلك. وليس من المتابعين السياسيين من يستفزه ذلك الموقف، فالولايات المتحدة هي الصانع الأول لهذه الدويلة، وتعود صلتها بفكرة تأسيسها إلى القرن التاسع عشر، وقبل أن تدخل بعض الدول الأوروبية على الخط وتبدي من الحماس ما كانت الولايات المتحدة تحاول إخفاءه. والآن في عصر الإعلام المفتوح والصورة يصعب إخفاء الحقائق أو التملص من تبعات الأخطاء والخطايا الفاحشة في حق الشعوب الصغيرة والأمم المقهورة.
وكان على العرب أو بالأحرى القيادات العربية أن تتبع كل ما يقال وأن تهتم بالصوت الهامس ذلك الذي يكاد يضيع وسط الضجيج والطنين والذي يقول ويكرر القول إن ضعف الموقف العربي وانشغاله بمشكلات داخلية لم يكن وقوعها في الحسبان قد كان وراء هذه الخطوة الأمريكية التي قد تتلوها خطوات ما دام الموقف العربي يسير من السيئ إلى الأسواء، في حين أن أبواباً كثيرة كانت قد انفتحت في الأفق العربي للحلول والمخارج من شأنها أن تعيد للأمة شيئاً من قوتها ومهابتها، وتجعلها تتفرغ من بذل الجهد في المهم إلى بذله في الأهم، وقد قيل وما يزال القول يتكرر ويتردد إن الوقت ما يزال قائماً والأبواب ما تزال مفتوحة لتصالح داخلي، عربي عربي. قبل أن تتساقط الأوراق الأخيرة من القوة العربية ويصير ما كان ممكناً مستحيلاً وغير قابل للصرف.
وما يحير المتابعين في الشأن السياسي الأمريكي خلال هذه الآونة، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، أن الدولة العظمى أو التي كانت عظمى لم تعد تقرأ أو تهتم بما يدور حولها، وما ينصبه الأعداء والمنافسون من أشراك اقترب زمن الوقوع فيها، وهي منصرفة بكل طاقتها للعمل على تقوية الأعداء والمنافسين وفتح المجال لمزيد من الأشراك اعتماداً على قوة لم تعد هي الوحيدة ولا الأكثر فاعلية. وقد قيل الكثير من الأمثال عن الدول الكبرى في طور الانحدار وكيف أنها لا تقوى على التراجع أو تستطيع الوقوف.

abdulazizalmaqaleh@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى