بين الأصالة والادعاء
خيري منصور
سُئل برنارد شو ذات يوم في الإذاعة البريطانية، هل أنت سعيد؟ فأجاب على الفور، إن السعيد هو الذي لا يسأل نفسه هذا السؤال؛ لأنه مستغرق في سعادته، ويمارسها كما يتنفس، وهذا القول ينطبق على حالات كثيرة في الحياة، ومنها ما هو سياسي، فالمجتمعات الديمقراطية لا وقت لديها كي تثرثر عن الديمقراطية؛ لأنها تمارسها أيضاً كالتنفس، وكذلك الإنسان المعافى، الذي يتمتع بصحة جيدة، فهو لا يسأل نفسه كل يوم ما إذا كان معافى أو مريضاً؛ لأن الصحة كما يقول برنارد شو هي نسيان الجسد، وما يجعلنا نتذكر أجسادنا هو الألم، الذي يكون أحياناً صديقاً حميماً للبشر وليس عدواً؛ لأنه يدلهم على الداء، بعكس الأمراض الخبيثة، التي تفترس العافية في صمت وبلا أي شعور بالألم.
والأرجح من الناحية السيكولوجية أن الأفراد والمجتمعات أيضاً يفرطون في الحديث عن أشياء تنقصهم في الواقع، تماماً كما أن من يكثرون من القسم سواء كان دينياً أو له علاقة بالشرف والوالدين هم الأشبه بالمريب الذي يوشك أن يقول خذوني، فالإنسان الصادق لا يحتاج إلى الإكثار من القسم، والوطني لا يحتاج إلى تذكير الآخرين في كل لحظة بأنه وطني، وهذا هو الفارق الجوهري والحاسم بين الأصالة والادعاء.
والذكي ليس من يدعي الذكاء؛ بل هو من يحاول إخفاءه كي يتقن عمله، وتبعاً لما يقوله علماء النفس فإن الأذكياء هم الذين يفترضون بأن الآخرين أذكى منهم وليس العكس.
أما الأغبياء فهم يتوهمون بأنهم الأذكى إلى أن تأزف اللحظة التي تفضح غباءهم!
وفي العصر الذهبي لليونان القديمة كان من يفرطون في الحديث عن الحرية هم العبيد الذين كانت نسبتهم سدس السكان، أما الأحرار فلا شأن لهم بذلك؛ لأنهم يعيشون حريتهم ويمارسونها.
كم نحن بحاجة إلى علمي النفس والاجتماع؛ لتحليل ظواهر في حياتنا الحديثة أدى التوصيف السطحي لها إلى اختزالها وابتذالها، رغم أن الكشف عن السبب يبطل العجب!