غير مصنفة

بين الطبول والنايات

خيري منصور

قد تكون بعض القضايا خصوصاً المصيرية منها، كفلسطين مهمة لدى بعض الأطراف؛ لكن الأهم منها هو توظيفها والغناء عليها وليس لها، فقد كانت لدى البعض خلال ستة عقود الدجاجة التي تبيض ذهباً، رغم أنها بالنسبة لمن اعتبروها رهان وجود كانت وما تزال التراجيديا، التي لم تصل إليها أية قامة!
وككل المناسبات المتعلقة بها يزدهر الآن موسم التجاذب والاستقطاب؛ بحيث تتحول من غاية وهدف إلى وسيلة، وهي قضية لا تقبل الاختزال؛ لأنها بؤرة أو بوتقة تاريخية وقومية تنصهر داخلها وبفعل وهجها العناصر كلها. وهي قدر وليست خياراً حتى بالنسبة لمن لا يتصورون ذلك؛ بسبب إصابات العمى المؤقت.
والعمل من أجلها لها ديناميات وحيثيات أخرى غير التي أدمنها الإعلام العربي، الذي طالما غطت طبوله الصّاخبة والفارغة على النايات الشجية!
والإلحاح على أن الفلسطينيين وحيدون يضاعف من اليأس، رغم أن ظاهره يوحي بالرجاء، وبأن الفلسطيني عليه أن يعتمد تماماً على نفسه، وقد يكون هذا الطرح من قبيل الحق الذي يراد به باطل، ففلسطين جزء عضوي وحميم من أمة، ومن سياق حضاري وجغرافيا لا تقبل الحذف والإضافة أو التلاعب بتضاريسها القومية.
وما نخشاه أن تثير بعض الأطروحات التباساً، يستفيد منه الاحتلال على نحو غير مباشر بحيث يبدو الاعتراض على أن تكون القدس عاصمة للدولة العبرية ولا بأس أن تكون لها أية عاصمة أخرى من مدن فلسطين لا تمتاز بما تمتاز به القدس من رمزية وتاريخ. والقضية الآن وفي هذا الطور الخطر من تاريخها لا تحتمل المساجلات وتبادل الهجاء الإعلامي وتصفية الحسابات، إنها أعز وأعلى من كل هذا ومن يستطيع أن يقدم شيئاً حتى لو كان بحدود أضعف الإيمان؛ لأن الله لا يكلف نفساً أكثر مما تطيق، عليه أن يسارع قبل فوات الأوان، وألّا يبدد الجهد والوقت في الإدانات وأدبيات النميمة السياسية. فكل ثانية لها ثمن، والإفراط في المساجلات الفضائية واستخدام «السّين والسَّوْف» هدية مجانية للاحتلال، وما يُفَرخّه من مستوطنات على مدار الساعة! فالوقت من دم وليس من ذهب كما يقال!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى