بين من يملك الإرادة ومن يبيعها
سوسن دهنيم
ما يميز بين البشر هو قدرة كل واحد منهم على أن يكون مختلفاً ومضيفاً لما حوله. تلك القدرة والميزة هي بَصْمَته في الحياة. والبصمة ليست خطوط تمييز يحملها كل واحد منا في يديه وباطن قدميه. البصمة أن تسهم في الحياة باختلاف وتميز قدرتك وطاقتك ودورك.
كل تصنّع يمكن كشفه في اختبارات الحياة المفتوحة على ممارسة شبه آنية تفرز من خلالها الغث من السمين والمعدن من القش والوهم من حقيقة الحضور. لا أحد يمكن له أن يمارس خديعته على الحياة، وإن فعل فإلى حين، وذلك الحين ينكشف عند حدوده معنى وقيمة كل واحد منّا.
كتب أوسكار وايلد متناولاً الفيلسوف الإيرلندي جورج برنارد شو: «ليس له عدوّ واحد في العالم، ولا يحبه واحد من أصدقائه». كانت تلك عبارة في حدود حالمة وتهكمية في الوقت نفسه. حالمة من حيث معرفة كثيرين بتفاصيل لا مجال لذكرها هنا، وتهكمية من حيث طبيعة «برنارد شو». الرجل الذي لم يكن عابراً. كان مقلقاً مربكاً فاضحاً للكثير من الثابت من حوله. الثابت من حيث تحوله إلى عادة أو عرف، في كثير من أوجهها وصورها وتناولاتها فباتت مصدراً من مصادر التشريع لدى كثير من الأمم.
في موضوع الإرادات وخياراتها بين البشر هناك من لا يملك طاقة توجيه إرادته ولو بمقدار أنملة، وهناك من لا يجد حرجاً في أن يترك أمر نفسه لمن شاء وأراد، ومثل ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنفه ضمن مواطني الإرادات. إنه خاضع لعوامل تأثير مهما علا أو صغر شأنها. لا خيار له ولا يملك حجة على ذلك التأثير.
وهناك من لا يمل ولا يألو جهداً في السيطرة على إرادات الناس من حوله وفرض تعميماته عليهم، ومثل ذلك التوجه لإرادات وخيارات الناس محاولة لتعميم ما يشبه الخرافة. هو التعميم نفسه الذي أشار إليه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في كلمة له: «يعاد الإيمان إلى الأمة بقرار جمهوري، وتعمّ الخرافة»! ولا تعميم للخرافة أكبر من أن تختطف خيارات وإرادات الناس ليتم إدخالها في نظام يراد له أن يكون مطابقاً ومشابهاً لما يريده الممسك أو متوهم الإمساك بتلك الخيارات والإرادات.
خلاصة الأمر: من لم يكن له خيار وإرادة يفعّل من خلالهما دوره في الحياة فهو عبء عليها وعبء على نفسه، والذي يملكهما يظل في دور التصدّي الفاعل لمنح الحياة قيمتها ومنح نفسه قيمتها أيضاً.
sawsanon@gmail.com