تحدي الكون والعقل
شيماء المرزوقي
على الرغم من كل التطورات والتقدم في مجال الطب والعلوم، بقي المخ مستعصياً على أي تطور، ولم يحدث تقدم يكشف كثيراً من غموضه، وآلية عمله وطرق علاجه. ويكفي أن نعلم أنه على درجة عالية من الحساسية، مما يجعل أي اقترب جراحي منه، بمثابة مخاطرة كبيرة قد تؤثر في حياة الإنسان.
يقابل البطء في اختراق المخ البشري، وعدم التمكن من فهمه بما يتناسب مع التقدم الذي نعيشه، سر آخر يقف الإنسان أمامه بكثير من الحيرة، على الرغم من كل الجهود التي تُبذل لسبر أغواره، ولتحقيق النجاح في مضماره، وهو الفضاء.
الكون على اتساعه اللامتناهي مبهم، وعلى الرغم من الرحلات الفضائية المتعددة، تبقى تلك الصواريخ والمركبات الفضائية بدائية، إذا نظرت إلى رغبة الإنسان في التجول في الفضاء بحرية وسرعة تسبق سرعة الصوت والضوء.
أمام كل هذا الاتساع الذي لا نعلم له حداً أو سقفاً، تبقى كل منجزاتنا الفضائية متواضعة ولم يحدث فيها اختراق جديد، مثل بناء محطات على كواكب أخرى مثل المريخ؛ أو الوصول فعلياً للكواكب التي يقال إنها تدعم الحياة، والتعرف إليها عن قرب والهبوط فيها، والخروج عن الغلاف الجوي، والتجول في الفضاء والدوران في مدار الأرض، فجميعها تتم منذ أكثر من سبعين عاماً، ولكن البشرية تنتظر منجزات أحدث وأكثر قرباً.
توجد مفارقة عجيبة تدعو للتأمل في موضوع الكون والمخ، فهما يتشابهان في نقطة عدم فهم الإنسان لهما، وفي جهل كثير من أسرارهما، وأيضاً في تواضع المنجزات التي قدمت لسَبْرهما، وفي اللحظة نفسها هما غير متشابهين نهائياً، فالكون فسيح وممتد، والمخ صغير جداً ومحدود.
نحن لا نعرف كثيراً من المعلومات عن الكون، ولا نفهمه ولا نعرف أسراره، والحال نفسه على مستوى المخ، فنحن نجهله تماماً. عدم سبر أغوار الكون وعدم فهمه، مبرر لعظمته، وتكفي نظرة نحو السماء لإدراك حجم صغرنا في هذا الفضاء السحيق. أما المخ البشري وعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أن أسراره عديدة وعجزنا عن حلها وفهمها؛ لكنهما أي الكون والمخ متشابهان ويلتقيان في نقطة مهمة أخرى، حيث يقول العلماء: «مثلما يوجد نحو مئة مليار نجم في مجرتنا التي نسميها درب التبانة؛ فإن هذا العدد يقارب عدد العصبونات والعصبيات في عقولنا؛ لذا فإن الكون الفسيح والعقل المحدود، يمثلان أكبر تحدٍ يواجهنا في المستقبل».
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com