ترحيب لا بدَّ منه
حسن العديني
لا يبدو أن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، ذو حظ وافر أو أنه يحمل عصاً سحرية يستطيع أن يأخذ بها المتحاربين إلى مائدة التفاوض بعد أن تلين قلوبهم وتتفتح عقولهم، أعني بالتحديد قلوب وعقول الحوثيين.
من غير شك، أن البريطاني مارتن غريفيث يتمتع بمهارة تفوق مهارات سابقيه كما أن وراءه قوة معنوية تتمثل بتأثير بلاده على المسرح الدولي ومعرفتها الواسعة والعميقة بالتضاريس السياسية والاجتماعية في اليمن ودول الإقليم الفاعلة في الصراع الجاري هناك.
هذا بالطبع يوفر له ميزة تساعد على تحقيق اختراق سياسي يدفع بالمفاوضات نحو نتائج إيجابية. ذلك ظاهر الأمر غير أن حقيقته ليست بالبساطة المتخيلة إذ سوف يصطدم بطرق في التفكير عقيمة وعاجزة عن التكيف والتفاعل مع الأعراف الدبلوماسية والقواعد القانونية، وسوف يتعامل مع وكلاء حكام في طهران مسجونين في أوهام إحياء إمبراطورية بائدة بكل ما اتصفت به من جبروت واستعلاء. وفي هذا التعامل سوف يتكبد مشاق ثقيلة من اللحظة التي يبدأ عندها استطلاع الصورة ودراسة الملفات وتقييم المفاوضات في المراحل التي قادها جمال بن عمر، وبعده إسماعيل ولد الشيخ. والمؤكد أن اليقين سيستقر في ذهنه بأنه ليس أمام جماعة سياسية مستعدة لأن تأخذ وتعطي.
تنتظر المبعوث الجديد أدمغة من فولاذ تصده عن تلمس السبل إلى تسوية سلمية، غير أن حاجته ماسة إلى طوق نجاة يساعده على الخروج من مهمته بنجاح يشرفه ويرفع رصيده المهني، وذلك أمر يملكه الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إذا قرروا وصمموا وسعوا إلى انتصارات تقلب الموازين على الأرض وتغير المعادلات سواء في ميدان الحرب أو في مضمار السياسة.
ولدى الرئيس وحكومته فرص ثمينة، بعد أن تدفقت مياه كثيرة في المجرى عقب نزع سدادات الخزان التي كان يتحكم بها الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ فقد أدت هزيمته ومقتله بأيدي الحوثيين إلى سلخ جزء مهم من القوة العسكرية التي تتصدى للحرب ولم تزل شرائح سميكة قابلة للسلخ.
وترتب على هزيمة صالح ومقتله، انصراف قطاعات واسعة من الناس عن الجماعة المؤيدة للانقلاب وتحول حماسها له إلى نقمة على أصحابه وإلى رغبة جامحة في الانتقام والثأر.
مع هذا فإن الحوثيين لا يزالون يحتفظون بمصادر قوة، خارج الدعم الإيراني تتمثل بالتأثير الهائل للأموال الطائلة المتدفقة من قطر لتعزيز الصمود في الداخل و الإنفاق على الحملات الإعلامية في الخارج.
لكن الرئيس هادي وحكومته يستطيعون أن يجابهوا هذا كله ويتغلبوا عليه إذا أحسنوا ترتيب البيت من الداخل. وأمامهم مهمة رئيسية تتمثل بتقوية الجبهة الداخلية بالتصالح مع القوى التي تحمل ملاحظات على أداء الحكومة وبإدارة حوار جدي بين الأحزاب السياسية المناوئة للانقلاب وخلق اصطفاف وطني متين البنيان حتى لا تبقى التنظيمات السياسية تسير كحالها الآن متباعدة أحياناً ومتنافرة في بعض الأحيان، ولكي لا تستهلك جهودها في حرب باردة تدور بينها. يستوجب هذا إعادة النظر في قوام الحكومة الحالية وأن تباشر مهامها من عدن لتأكيد حضور الدولة في المناطق المحررة للقيام بوظائفها كافة وإقامة الحياة على صراط الأمن والعدل والكفاية. بهذا يتم تحصين الجبهة الداخلية وتأمين ظهر الحكومة حين تولي وجهها شطر المعركة العسكرية التي يترتب على الانتصار فيها تسوية أرضية مناسبة يتحرك فوقها المبعوث الأممي المعين مارتن غريفيث. ومن الحق القول إن القوات الحكومية أحرزت انتصارات جيدة في الأشهر الأخيرة. ولقد تطاول أمد الحرب وأوشكت أن تنصرم ثلاث سنوات دون أن تسكت المدافع ويرتفع النشيد وذلك يثير سؤالاً عن مكمن الخلل في ظل ميل الميزان إلى كفة القوات الحكومية من حيث نوع العتاد وإعداد المقاتلين والغطاء الجوي الكثيف. ربما تحتاج القوات إلى بناء وهيكلة من الفصيلة حتى أعلى مراتب القيادة كما إلى استطلاع ذكي واتصال فعال، وتعبئة سياسية تنفث في الروح طاقة تحدٍّ، وحرب نفسية ضد العدو تفتك بمعنوياته. فإن الحرب النفسية نصف الطريق إلى النصر ونصفه الباقي يتولاه السلاح.
إن الإنجاز في ميدان البناء والنصر في ساحة المعركة، هما شارة استقبال حافل للمبعوث الأممي حتى يمارس مهمته في ظروف مريحة يستطيع خلالها أن يفتح نافذة للأمل.