تركيا والأكراد بين القوة والحكمة

محمد نورالدين
تخطئ تركيا إذا اعتقدت أنها تستطيع إنهاء التهديد الكردي من سوريا أو من داخلها أو حتى من شمالي العراق، حيث هناك تواجد لحزب العمال الكردستاني، من خلال استخدام القوة العسكرية.
إذا افترضنا أن بداية التهديد الكردي العسكري على تركيا كانت في منتصف أغسطس/آب 1984 مع تنفيذ حزب العمال الكردستاني أول عملية له ضد الجيش التركي في جنوب شرق تركيا فهذا يعني أنه بعد 38 عاماً من ذلك لم تنجح تركيا في إنهاء هذا الخطر. بل يمكن القول إنه تفاقم واتسع وأصبح أكثر خطورة وتعقيداً.
يدخل الخطر الكردي من بوابة التعاطي مع قضايا الأقليات في المنطقة. وهي قضية مزمنة وقديمة ولا تعود بداياتها إلى العصر الحديث بل تدخل في صلب المنظومة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي والتي تغلّب منطق الأكثريات على الأقليات.
لكن الأكراد عملياً ليسوا حرفياً أقلية. فهم مكوّن يتعدى الخمسة والعشرين مليوناً في الشرق الأوسط ولهم باع طويلة في تاريخ العرب والمسلمين. وجاءت اتفاقية سايكس – بيكو وخرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى لتضعهم وسط كماشة من أربعة رؤوس هي تركيا وإيران والعراق وإيران.
وبغياب أنظمة عمادها العدل والاعتراف بهوية الآخر انفجرت المشكلة الكردية. وقبل أن يعترض أحد على كلامنا نقول إن الخارج الغربي وجد في المسألة الكردية فطيرة جاهزة لاستغلالها على قاعدة حاجة الكرد لأي مساعدة من أجل نيل مطالبهم.
وكانت تركيا من بين الدول التي نشطت فيها الدول الكبرى لمساعدة الأكراد. ومن أبرز الدول التي وقفت إلى جانبهم كانت فرنسا وخصوصاً في عهد فرنسوا ميتران. وغالباً ما اتهمت تركيا ألمانيا وهولندا وفرنسا والسويد والنمسا وغيرها بفتح أبوابها أمام الجماعات الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني لجمع المال والقيام بنشاطات إعلامية منها البث من محطات تلفزيونية من أراضي بعض هذه الدول. وغالباً ما كانت هذه الدول تنتقد سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان والحريات الفكرية وفي رأسها التضييق على التوجهات الكردية. وأخيراً كان للأكراد حصة بارزة في الاعتقالات التي طالت، إضافة إلى جماعة فتح الله غولين، قادة الحركة الكردية من نواب ورؤساء بلديات وجمعيات وإعلاميين.
وقد اتبعت تركيا سياسات عنوانها التحذير من الخطر الكردي. فكانت تستهدف بغارات جوية وقصف مدفعي معاقل المقاتلين الأكراد في جبال قنديل في شمال شرقي العراق.
وتذرعت تركيا بالخطر الكردي في سنجار لإقامة قواعد عسكرية في العديد من المناطق العراقية وأبرزها في بعشيقة حيث لا تزال قائمة. ومع إعلان أكراد العراق رغبتهم إجراء استفتاء على الانفصال كان الموقف التركي قوياً في معارضة ذلك بل التهديد بما لا تحمد عقباه.
ولكن السياسات التركية تجاه الأكراد في الميدان السوري تحديداً كانت غير مسبوقة في حدتها وعدائها. ومع أن أنقرة استقبلت في فترة سابقة رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري صالح مسلم في أنقرة بالذات، فإنها سرعان ما اعتبرته إرهابياً هو وحزبه على أساس أنه يوالي إيديولوجية زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان. وانطلقت لترجمة ذلك على أرض الواقع عبر اعتبار التواجد الكردي في سوريا تهديداً للأمن القومي التركي. وكان ذلك بداية لتورط دموي مباشر ليس في الأزمة السورية بل في المسألة الكردية خارج حدودها هذه المرة. فهي المرة الأولى التي تحارب فيها تركيا أكراداً ليسوا أتراكاً.
واتخذ هذا التحارب الطابع الدموي مع بدء عملية عفرين ضد قوات الحماية الكردية منذ العشرين من يناير/ كانون الثاني من العام الحالي.
لا أحد يمكن أن يجزم بما ستنتهي إليه عملية عفرين. لكن برأينا أن تركيا أخطأت بالقيام بها. فإذا بقي الأكراد عند تصميمهم على المقاومة في عفرين وهي منطقة وعرة وحتى الرمق الأخير فإن هذا سيمنحهم صورة الشعب العنيد المدافع عن وجوده. وسيسقط الكثير من القتلى بين الجنود الأتراك وهذا يعني أن الدم التركي والكردي قد أريق غزيراً ما يعمق الشرخ والعداء بينهما وهذا ليس في صالح تركيا خصوصاً أن عندها أكثر من 12 مليون كردي. كذلك سوف يوسع دائرة النقمة على تركيا لتشمل كل أكراد المنطقة.
تحتاج الدول إلى القوة للدفاع عن نفسها وأمنها ووحدة أراضيها، لكنها قد تحتاج إلى الحكمة أكثر من القوة في بعض الأحيان، وهذا برأينا ما يجب أن تتحلى به تركيا في العلاقة مع الأكراد في داخلها وفي خارجها.