قضايا ودراسات

تركيا والأكراد والعقبة الأمريكية

محمد نورالدين

عندما باشرت تركيا عملية «درع الفرات»، وسيطرت على مثلث جرابلس- أعزاز- الباب في شمال سوريا، كان الهدف المعلن هو محاربة تنظيم «داعش» من جهة ، لكن الأهم هو منع قوات الحماية الكردية من التقدم من منطقة منبج إلى منطقة عفرين، حيث تتواجد عناصر أخرى من الأكراد من جهة ثانية.
وكانت حجة تركيا أنها لا تريد إقامة «كوريدور كردي» من شمال سوريا إلى البحر المتوسط، ولو استطاع الأكراد وصل كوباني/عين العرب بمنطقة عفرين لكان التهديد للأمن القومي التركي واقعاً.
وعندما أعلنت أنقرة عن عملية «غصن الزيتون» في منطقة عفرين الكردية في سوريا، كانت الذريعة أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، ويجب تنظيفها منه. وهكذا نجحت تركيا في السيطرة على منطقتين تحاذيان حدودها، وإنهاء التواجد الكردي فيهما.
وعندما أصبحت مسألة الهجوم على إدلب قاب قوسين أو أدنى، مارست تركيا ضغوطاً كبيرة لمنع أي عملية عسكرية ضدها بذريعة احتمال أن يشارك مقاتلو حزب العمال الكردستاني مع الجيش السوري في الهجوم، وبالتالي تمدد الخطر الكردي إلى إدلب.
وفي مطلع الأسبوع الحالي كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن أن الجيش التركي يحضّر نفسه للهجوم على منطقة شمال شرق الفرات، حيث قوات الحماية الكردية. وكان أردوغان أعلن أن روسيا تدعم مثل هكذا هجوم تركي على الأكراد.
ولم تغب عن تصريحات المسؤولين الأتراك في السنة الأخيرة أهمية تنظيف الشريط الحدودي المحاذي لتركيا داخل سوريا من أي وجود ل»الإرهاب الكردي». ودائماً ما كانت أنقرة تتحدث عن تنظيف المنطقة الشمالية السورية حتى الحدود العراقية، وربما أبعد داخل الحدود العراقية، بما يضم سنجار إلى عمليات الجيش التركي.
وارتفعت تهديدات أنقرة ضد شمال شرق الفرات مباشرة، بعد توقيع اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا، بما يفيد بأن تركيا حققت إنجازاً في إدلب، وهي تريد الانتقال إلى إنجاز جديد.
تريد أنقرة، في جانب من التهديدات، أن تضغط على الولايات المتحدة منذ الآن، بتحريك الجبهة الشمالية الشرقية للفرات. فإذا كانت روسيا تدعم، لأسباب لا تتعلق بالعداء للأكراد، عمليات تركيا ضد الأكراد فإن العامل الحاسم هو التواجد العسكري الأمريكي المباشر هناك، ودعم واشنطن لقوات الحماية الكردية، إذ ليس من البساطة القول إن واشنطن قد فضّلت الأكراد على حليفتهم الأطلسية والتاريخية تركيا في الأزمة، والحرب الدائرة في سوريا. وقد تسبب ذلك بخلاف كبير غير مسبوق بين أنقرة وواشنطن. ولو لم يكن للولايات المتحدة مآرب جدية من وراء اعتماد الأكراد، لا الأتراك، حليفاً لها لما لجأت إلى هذا الخيار. لذا فإن العقبة الأكبر التي سيواجهها الجيش التركي في شمال شرق الفرات هي الموقف الأمريكي أولاً، وقرار قوات الحماية الكردية ثانياً. والتهديد التركي الآن لمنطقة شمال شرق الفرات يمكن إدراجه في خانة جس النبض لما يمكن أن يكون عليه الموقف الأمريكي أكثر منه اللجوء الجدي لعملية عسكرية.
وإذا كانت عفرين كما جرابلس- الباب، بحكم موقعهما المعزول جغرافياً عن شمال شرق الفرات، قد آلا إلى السقوط الحتمي، فإن الوضع الميداني في شمال شرق الفرات مختلف، وفيه تمركز كبير للقوات الكردية على امتداد المنطقة، ورغبة شديدة في مقارعة «العدو» التركي.
ويدرك الأكراد أن الحرب التركية ضدهم في شمال سوريا هي امتداد طبيعي لحرب الدولة التركية على الأكراد في الداخل التركي، وآخرها طلب السجن 240 سنة للنائبة الكردية السابقة، والمسؤولة البارزة في حزب الشعوب الديمقراطي الكردي جولتان قيشاناك.
الوضع في شمال شرق الفرات جزء لا يتجزأ من الأزمة السورية، وأطرافه المعنيون به كثر، وعلى جانب كبير من التعقيد، غير أن الانشغال التركي به هو جزء من المسألة الكردية في تركيا وأي خطأ في حسابات أنقرة في التعامل مع أكراد سوريا سينعكس وبالاً على الوضع التركي الداخلي نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى