مقالات عامة

تصاعد خطاب الكراهية

حسام ميرو

تحمل الممارسات السياسية العديد من الرسائل حول الذات والآخر، كما توضّح مدى فهم مختلف الأطراف للصراعات الدائرة، أو المصالح الوطنية، وهي تظهر مدى تطور الرؤية السياسية أو تأخرها لدى النخب، خصوصاً النخب الحاكمة، وتعكس مستوى الأزمات الموجودة في لحظة تاريخية محددة، وبالتالي فإن تحليل الممارسات السياسية، وما يرافقها من أشكال خطاب أخرى، أبرزها الدبلوماسية والإعلام، يقودنا إلى الإمساك بعناصر بنيوية للصراعات، وليس فقط المصالح المباشرة، وهو ما يجعلنا نستشرف المخاطر الكامنة، التي ينبغي معالجتها في مستويات متعددة، وليس فقط في المستوى السياسي.
لقد كشفت السنوات الماضية في الشرق الأوسط، عن استخدام أطراف عديدة لأشكال خطاب تتنافى، بل وتتناقض كلياً، مع ضرورات بناء منظومة أمن واستقرار جديدة، بعد أن اختلّت منظومة الأمن والاستقرار القديمة، وبدا أن السعي لكسب حصص نفوذ جديدة، أهم بكثير من إحلال الاستقرار، على الرغم من الكلفة العالية لمثل هذا المنطق السياسي، القائم على توسيع النفوذ بأي ثمن، واعتبار أن التكيّف مع الفوضى أمر ممكن، بل ويمكن تجنّب انعكاساتها، وقد أدى هذا السلوك عملياً من قبل بعض الدول، إلى استثمار أشكال لا تنتمي إلى منطق الدولة الحديثة، ومنها استثمار منظمات مسلحة، من فصائل وميليشيات وفرق مرتزقة، من أجل تحقيق المزيد من التوسّع في النفوذ.
يُظهر خطاب الكراهية غياباً شبه كامل لمنطق الدولة الحديثة، بل إنه يبرز فشل الدول في الدخول إلى عصر الحداثة، كما أنه في الدول التي أصابها الفشل بعد ما يسمى «الربيع العربي»، يعكس مدى الانقسامات العمودية والأفقية في تلك المجتمعات، بعد أن خرج الصراع من أجل التغيير عن سكّته الوطنية، وانزلق بفعل العديد من العوامل، إلى صراع فئات دينية ومذهبية وقومية ومناطقية، وقد أصبح خطاب الكراهية في تلك الدول الفاشلة عاملاً آخر يضاف إلى عوامل الصراع الأخرى، بل مشكلة قائمة بحد ذاتها.
إن خطاب الكراهية لا يشيطن الآخر على المستوى السياسي فقط، بل ينال منه أيضاً على مستويات عدة؛ إذ يشكك في جدارته الدينية والحضارية والإنسانية، ما يجعل من استهدافه أمراً مشروعاً، وبالتالي فإن أي إبادة لهذا الآخر تصبح سلوكاً «مشرعناً»، خصوصاً مع ادعاء مختلف الأطراف امتلاكها للحقيقة المطلقة، والحق المطلق، ما يجعل من حربها على الآخر حرباً «مقدسة»، لا مجال فيها لمساءلة الأدوات المستخدمة في هذه الحرب.
في ظل العدّة الأيديولوجية التي تبرر خطاب الكراهية، والدعم الإعلامي الكبير لهذا الخطاب، يغدو استخدام وسائل وأدوات محرّمة أمراً لا يحتاج إلى أي تبرير، فتلك الوسائل والأدوات موجهة إلى مجموعات ما دون بشرية، بحسب خطاب الكراهية، كما أن قتل مئات الآلاف من السكان يغدو عملية تطهير ضرورية، من دون التوقف لحظة واحدة أمام أي منجز بشري فيما يخص حقوق الإنسان، وما يتصل بها من مواثيق أممية.
لكن تنامي خطاب الكراهية وتصاعده بهذا الشكل العبثي ليس أمراً منفصلاً عن الخلل في منظومة العلاقات الدولية نفسها، وعن مفاعيل النظام العولمي الراهن، فالمؤسسات الأممية والدولية تبدو في حالة عجز متزايدة أمام صراعات الشرق الأوسط، ففي المثال السوري، عجزت الأمم المتحدة عن اتخاذ قرارات بسيطة، مثل إدخال المساعدات لبعض المناطق المحاصرة، فكيف الحال إذن مع وضع حدّ للنزاع الدائر، خصوصاً مع انخراط مباشر لقطبين رئيسيين في مجلس الأمن في الصراع نفسه، هما الولايات المتحدة وروسيا!؟
إن أي مدخل حقيقي مستدام للصراعات الراهنة في الشرق الأوسط، لا يمكن تأمينه من دون الأخذ بالحسبان الحاجة إلى نبذ خطاب الكراهية، وتفعيل خطاب عقلاني وحديث في الممارسة السياسية.

husammiro@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى