قضايا ودراسات

تصدع حكومة نتنياهو

يونس السيد

شاءت «إسرائيل» أم أبت، فإن ما حدث خلال المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة، يكرس حقيقتين أساسيتين هما: تآكل قوة الردع «الإسرائيلية»، من جهة، والتأسيس لمرحلة جديدة من «توازن الردع» فرضها فلسطينيو قطاع غزة، وأثمرت في النهاية، تصدعاً في حكومة بنيامين نتنياهو والتوجه نحو انتخابات تشريعية مبكرة.
في ظل هاتين الحقيقتين، كان بحر من المعطيات وحتى الاستراتيجيات السابقة يتهاوى ويحترق مع نيران الصواريخ الفلسطينية، التي استخدمت، هذه المرة، بذكاء تفوق حتى على «القبة الحديدية» التي اعترضت بطاقتها القصوى أقل من ثلث هذه الصواريخ، مما أتاح لفصائل المقاومة تسلم زمام المبادرة، وإطلاق قذائفها الصاروخية بشكل مدروس بكثافة عالية على منطقة معينة والانتقال بشكل متدرج نحو العمق «الإسرائيلي»، ما دفع الاحتلال إلى واحد من أمرين، إما توجيه ضربة قاصمة للقطاع الأمر الذي يتعذر بدون إرسال قوات برية، وهو ما لا يريده بل يخشاه نظراً لكلفته العالية وعدم وجود أي ضمانة لنجاحه، أو استخدام الضربات الجوية الانتقامية بكثافة وإيقاع أكبر خسائر بشرية لفرض التراجع على الفصائل أو حتى الاستسلام، وهو أيضاً أمر يقابله انكشاف العمق «الإسرائيلي» مع توسيع دائرة نيران الصواريخ التي أصبحت أكثر دقة وأبعد مدى، لتطال المدن والتجمعات الاستيطانية وحتى المطارات والأهداف العسكرية والاقتصادية، ما سيعني خسائر بشرية واقتصادية قد لا تقوى «إسرائيل» على تحملها.
هذه المعادلات والمعطيات كانت محور اجتماع المجلس الأمني الوزاري المصغر «الكابينت» الذي استمر لنحو ست ساعات، واتخذ في النهاية قرار العودة إلى التهدئة، لكن السجال الذي تخلل الاجتماع، وفقاً لوسائل الإعلام «الإسرائيلية»، خصوصاً بين نتنياهو وأقطاب اليمين المتطرف، افيجدور ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» ونفتالي بينيت زعيم «البيت اليهودي» اختلطت فيه مفاهيم الخوف من نشوء مثل هذه المعادلة بالانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن يكسب أو يخسر في هذه الانتخابات. وعلى هذه الخلفية قدم ليبرمان الذي كان يشغل منصب وزير الحرب استقالته معلناً انسحابه من الائتلاف الحكومي في محاولة للظهور بمظهر الرافض للتهدئة، رغم إجماع وسائل الإعلام على موافقته عليها خلال الاجتماع.
على الضفة الأخرى، كان الفلسطينيون يحتفلون بالانتصار الذي مكنهم من فرض «معادلة ردع» جديدة، وسقوط ليبرمان الذي اعتبر أولى ثمرات هذا الانتصار، فمن جهة، باتت «إسرائيل» تدرك معنى ضرب العمق والتجمعات الاستيطانية فيها، ومن جهة أخرى، فجرت استقالة ليبرمان ما كان منتظراً أصلاً قبل المواجهة الأخيرة من خلافات داخل حكومة نتنياهو، وظهور إمكانية تصدعها، بعد تهديدات بينيت بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا لم يتسلم وزارة الحرب، وهو موضوع كان أصلاً سبباً لمشاحنات بين ليبرمان وبينت طوال الشهور الماضية، ما سيدفع حتماً باتجاه الانتخابات المبكرة.
يبقى أن خيار العودة إلى التهدئة هو الأنسب لنتنياهو، الذي قال إن هناك أسباباً سرية تدفعه لذلك، كي يستطيع ترتيب أوضاع حزبه والاستعداد لهذه الانتخابات بعد تحديد الموعد المناسب لإجرائها، لكن في الجانب الفلسطيني ثمة من يرى أنها أعطت قوة دفع هائلة على طريق رفع الحصار، والأهم أنها أسست لمرحلة جديدة من الردع.

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى