تغريدة فاشية من إيطاليا

مفتاح شعيب
هزت تغريدة فاشية أطلقها سيموني دي ستيفانو، المرشح الأول لحزب «كازابوند» الإيطالي المتطرف، الأوساط الليبية؛ بعدما دعا بلاده صراحة إلى إعادة احتلال ليبيا، والسيطرة على طرابلس عسكرياً، واعتبارها «الشاطئ الرابع لروما» مثلما ردد قبل أكثر من قرن الزعيم الفاشي بينيتو موسولوني عندما دفع بجيوشه إلى ليبيا، وشن على شعبها حرب إبادة لم تسقط من الذاكرة بعد.
هذا الموقف الشاذ جاء متزامناً مع جدل متصاعد في ضوء إرسال البحرية الإيطالية عدداً من بوارجها إلى المياه الإقليمية الليبية، بحجة مكافحة قوارب الهجرة غير الشرعية، وتدريب عناصر خفر السواحل الليبيين على أداء المهمة؛ لضمان أمن الإيطاليين. وقد تكون هذه الخطوة طبيعية في إطار من التعاون بين البلدين، أو هي تطوع إيطالي لتقديم العون والمساعدة؛ لكن حين تتزامن مع إطلاق موقف المتطرف دي ستيفانو، الذي يمثل حزباً معترفاً به، ويتجهز لخوض الانتخابات، فيمكن للعملية أن تخرج من سياقها وتنكأ جراحاً قديمة، لا سيما وأن كثيراً من الأسر الليبية لا زالت تحمل ندوباً اجتماعية ونفسية؛ جرّاء الغزو الفاشي عام 1911، ولم تمض إلا سنوات قليلة على تقديم رئيس الوزراء الأسبق سلفيو برلسكوني أمام العقيد الراحل معمر القذافي، في حفل رسمي شهدته بنغازي، اعتذاراً رسمياً وتعويضات لليبيا عن الجرائم الاستعمارية، ويبدو أن بعض النخب الإيطالية ندمت على ذلك الاعتذار، وتتوهم أن بإمكانها أن تعيد تاريخ الاستعمار وتتدارك ما فات.
ما خفي من تصريح هذا «الزعيم» الإيطالي، أن النزعات المتطرفة، والفاشية على وجه التحديد، لم تمت، ولا زال هناك من يحملها ويروج لها ويحاول أن يصنع لها الظروف الملائمة لإطلاقها وتطبيقها إن استطاع إلى ذلك سبيلاً. وتأكيداً لما يطمح إليه دي ستيفانو، أبدى متطرف آخر من الحزب ذاته تأييده، وذهب إلى ما هو أبعد بالدعوة إلى خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وإبلاغ من اعتبرهم «المجانين في بروكسل» بأن روما يجب أن تخطط لاستعادة ليبيا وأثيوبيا أيضاً، وهما المستعمرتان الإيطاليتان الأهم في الماضي من أجل أن تؤمن اكتفاءها الذاتي من المواد الخام مثل النفط والغاز والمعادن الثمينة.
قد لا تحتاج مثل هذه الأوهام إلى كثير من التعليق؛ لكن تجب الإشارة إلى أن أحزاباً مثل «كازابوند» تجد من يستمع إليها وينخدع بخطابها؛ ذلك أن زعماء هذه الأحزاب يتأثرون بقصص بطولات الأولين، غير عابئين بأن العصر تغير، ولا يمكن في الحاضر والمستقبل إعادة تجريب المجرب؛ إذ لكل حركة تاريخية ظروفها الموضوعية وشروطها المسبقة. ومن المؤسف جداً أن تتجدد الخطابات الفاشية بمثل هذه الفجاجة والعنصرية. وبما أنها حقيقة في الواقع، فلا تفسير لها إلا أنها تعد جزءاً من الصراع بين تيارات سياسية يحاول كل منها أن يفرض رأيه ويسوقه. وبعض هذه الأصداء تتردد في «مؤتمر دافوس» في سويسرا. وبالتوقف قليلاً مع كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تحدث فيها عن عودة فرنسا لقيادة أوروبا وحتى الساحة الدولية، لم تكن تلك الكلمة خالية من الدلالات والرسائل. والحديث عن القيادة في هذا السياق، لا يعدو أن يكون دعوة إلى الانتصار للقيم الإنسانية والعدالة والانفتاح في وجه دعاة التطرف والانعزال، وهو رد صريح ومباشر على دعاة الفاشية والتطرف بمن فيهم ذلك «الغر» الإيطالي، الذي يحلم بإعادة احتلال ليبيا، واستعادة أمجاد الرومان المندثرة.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article