تغير المناخ كما يبدو من الفضاء
رينيه غاريلو*
إضافة إلى مراقبة تغير المناخ، في المواقع الطبيعية على الأرض، يجري حالياً جمع البيانات من الفضاء، باستخدام أقمار اصطناعية.
قدّم المركز الوطني الفرنسي لبحوث الفضاء في الآونة الأخيرة مشروعين لرصد انبعاثات غازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان) باستخدام أجهزة استشعار الأقمار الاصطناعية. وستكمِل الأقمار الاصطناعية التي من المقرر إطلاقها بعد عام 2020، الإجراءات المتبعة في المواقع الأصلية.
وعلى الصعيد العالمي، ليس هذا البرنامجُ، الأولَ من نوعه لقياس تغير المناخ من الفضاء: فالأقمار الاصطناعية الأوروبية من سلسلة "سنتنل" ماضية في قياس عدد من العوامل منذ إطلاق «سنتنل- 1- أ» في 3 إبريل/ نيسان 2014، برعاية وكالة الفضاء الأوروبية. وتشكل هذه الأقمار الاصطناعية جزءاً من «برنامج كوبرنيكوس»، الذي يتم تطبيقه على نطاق عالمي.
ومنذ «سنتنل- 1-أ»، تمّ إطلاق الأقمار الذي جاءت بعده، 1- ب، 2- أ، 2- ب، و3- أ بنجاح. وكل منها مزوَّد بأجهزة استشعار ذات وظائف مختلفة. وبالنسبة إلى القمرين الأوليْن، تشمل هذه الأنظمة نظاماً للتصوير الراداري، لما يُسمى باكتساب البيانات عن «جميع الأحوال الجوية»، مع عدم اختلاف طول الموجة الرادارية، في الظروف الغائمة، سواء في الليل أو النهار. وتتيح أنظمة الرصد البصري بالأشعة تحت الحمراء، للقمرين الاصطناعيين الثانييْن، رصد درجة حرارة المحيطات. ويحتوي قمر "سنتنل- 3- أ" أيضاً على أربعة أجهزة استشعار مثبتة عليه؛ لقياس كمية الإشعاع، ودرجة الحرارة، والارتفاعات وتضاريس السطوح (لكل من المحيطات واليابسة).
ويستند إطلاق هذه الأقمار على المهمات الفضائية العديدة الموجودة بالفعل على الصعيد الأوروبي والعالمي. والبيانات التي تسجلها وترسلها، تمنح الباحثين مدخلاً إلى العديد من العوامل، وتبيّن لنا «نبض» الكوكب. وتخصّ هذه البيانات جزئياً المحيطات- أمواجها، وتياراتها، والريح التي تهب عليها، ودرجات حرارتها وأكثر من ذلك- مما يبين التطور الذي يطرأ على كتل المياه الكبيرة. ويعمل المحيط كمحرّك للمناخ، وحتى الاختلافات الصغيرة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالتغيرات في الغلاف الجوي، التي يمكن أن تكون عواقبها دراماتيكية في بعض الأحيان، بما في ذلك نشوء الأعاصير. وتتعلق البيانات التي تجمعها أجهزة استشعار الأسطح القارية بالتغيرات في الرطوبة وغطاء التربة (من النباتات الحية أو بقايا النباتات المندثرة)، التي يمكن أن تكون عواقبها مهمة أيضاً (مثل الجفاف وإزالة الغابات والتنوع البيولوجي، إلخ).
وتجري معالجة البيانات التي تجمعها الأقمار الاصطناعية، على عدة مستويات تتراوح بين مختبرات البحوث، والمزيد من الاستخدامات العملياتية، دون أن ننسى أنشطة التنسيق التي تقوم بها وكالة الفضاء الأوروبية.
ويعمل برنامج «سنتنل» في مجالات تطبيقية متعددة، منها: حماية البيئة، والإدارة الحضرية، والتخطيط المكاني على الصعيدين الإقليمي والمحلي، والزراعة والتحريج، وصيد الأسماك، والرعاية الصحية، والنقل والتنمية المستدامة، والحماية المدنية، وحتى السياحة. ومن بين كل هذه المشاغل، يبرُز تغير المناخ في صميم اهتمام البرنامج.
والجهد الذي تبذله أوروبا جدير بالاعتبار، ويتمثل في استثمار يزيد على 4 مليارات يورو، بين عاميْ 2014 و2020. بيْد أن المشروع ينطوي أيضاً على إمكانات اقتصادية كبيرة جدّاً، ولا سيّما من حيث الابتكار وخلق فرص العمل: ويُتوقع أن تبلغ المكاسب الاقتصادية في المنطقة 30 مليون يورو بين الوقت الحاضر وعام 2030.
ولا يكف الباحثون، إضافة إلى الأطراف الرئيسية في عالم الاجتماع والاقتصاد، عن السعي الحثيث إلى مزيد من الملاحظات الدقيقة والشاملة. ولكنْ، مع تنامي تغطية المراقبة المكانية على مرّ السنين، أصبحت كتلة البيانات التي تم الحصول عليها طاغية تماماً… ولذا، فإننا بحاجة إلى تطوير أساليب للإبحار في هذه المحيطات الشاسعة من البيانات، دون أن ننسى أن المعلومات المعنية لا تمثل إلّا جزءاً مما هو موجود. وحتى مع توفر كتل هائلة من البيانات، فإن عدد المتغيرات الأساسية صغير نسبياً فعلاً.
وكل هذه المعلومات يمكن أن تساعدنا في التنبؤ بالظواهر المتطرفة (مثل الأعاصير)، وإدارة أوضاع ما بعد الكوارث (مثل الزلازل وتسونامي) أو مراقبة التنوع البيولوجي.
*أستاذ معالجة الإشارات والصور، في معهد ماينز تليكوم (الفرنسي) موقع: ذي كنفرسيشن