تفاوت طبقي صارخ في أمريكا
خوان كول*
أقر الكونجرس الأمريكي – بدفع من الرئيس دونالد ترامب – أكبر تعديل لقانون الضرائب منذ عقود، وقد تضمن تخفيضات كبيرة للضرائب، ما أثار انتقادات على نطاق واسع، لأن القانون الجديد يفيد الطبقات الثرية.
الحزب الجمهوري لم يعدل قانون الضرائب فحسب، بل هو نفذ انقلاباً ضد الطبقات الوسطى والعاملة، ووفر مقادير هائلة من الأموال العامة لأصحاب المليارات والملايين.
والأمريكيون لا يفهمون هذا النوع من الألاعيب المخادعة، لأنهم عموماً لا يفهمون الطبقية الاجتماعية. وفي الحقيقة، ليست كل العائلات في الولايات المتحدة متساوية. فبعضها يملك أكثر من البعض الآخر.
ونحن لسنا جميعاً طبقة وسطى. وتعبير «وسطى» يعني أن هناك طبقات أدنى وأعلى. هناك طبقة عاملة، وأخرى وسطى، وأخرى وسطى عليا، وهناك طبقة الأثرياء. والسياسات التي تفيد الأثرياء عن طريق خفض ضرائبهم لا تساعد الطبقات العاملة والوسطى.
والحزب الجمهوري يمثل أساساً الأغنياء. وهؤلاء يستخدمون الطرقات السريعة (الأوتوسترادات)، وشبكات «واي فاي»، ويعتمدون على الشرطة الاتحادية لحمايتهم من الخطف. ولكنهم لا يدفعون مقابل هذه الخدمات. إنهم يريدوننا أن ندفع نحن أكلاف خدماتهم. إنهم يلقون العبء علينا.
وفي الولايات المتحدة، يوجد حوالي 126 مليون عائلة. 1% منها يعد 1،26 مليون عائلة، أي حوالي عدد سكان مدينة لوس أنجلوس. وهناك 100 مجموعة تعد 1،26 مليون عائلة، أي عائلات تشكل 100 لوس أنجلوس. وهؤلاء المجموعات الـ100 ليسوا متساوين في الثروة. والعائلات التي هي في أدنى السلم الطبقي تكاد لا تملك شيئاً.
والحزب الجمهوري يخدم بخنوع العائلات الـ1،26 مليون الأكثر غنى. هؤلاء هم الذين يوصلون الجمهوريين إلى الكونجرس بفضل تبرعاتهم الانتخابية.
والـ1% من الأمريكيين الأكثر غنى يملكون اليوم 38% من الثروات الخاصة في البلاد. وفي الخمسينات، كان الـ1% يملكون 25% فقط. والجمهوريون كانوا آنذاك في البيت الأبيض بقيادة الرئيس دوايت أيزنهاور. وهو لم يكن يسارياً، ولكنه كان قلقاً بشأن دعم الشركات الكبرى للمسؤولين الحكوميين. وهو الذي أطلق تحذيره الشهير من سيطرة «المجمع الصناعي – العسكري».
وثروة أمريكا اليوم تبلغ بحدود 88 تريليون دولار. ولو قسمنا كل الثروات الخاصة بالتساوي، لكانت كل عائلة في الولايات المتحدة تملك 698 ألف دولار. ولكن ثروة أمريكا ليست موزعة بالتساوي. إذ إن أغنى 10% من العائلات – أي 12،6 مليون عائلة – تحوز 76% من الثروة. أي أن 10% فقط من ال100 لوس أنجلوس تملك ثلاثة أرباع ثروة البلاد. إذاً، كيف ازدادت ثروة أغنى 1% من 25% من ثروة أمريكا في الخمسينات إلى 38% اليوم ؟.
السبب الرئيسي هو السياسة الضريبية. فخلال عهد أيزنهاور، كان معدل الضريبة الحدي 91%، والشريحة الأعلى من الأثرياء كانت تدفع 90% من مداخيل الضرائب. ونظام الضريبة التصاعدية آنذاك كان يهدف إلى منع تركيز الثروة بأيدي نسبة ضئيلة من مجموع الشعب.
وليست هناك أية أدلة بتاتاً على أن تلك السياسة الضريبية أعاقت النمو الاقتصادي أو قللت أعداد الوظائف المتوفرة. ولكن مع مرور الزمن، تم إبطال السياسة الضريبية لأيزنهاور، خصوصاً في عهد الرئيس رونالد ريجان. وقد تذرع ريجان بأن التخفيضات الضريبية ستعوض ذاتها من خلال تشجيع الشركات على الاستثمار والتوظيف. ولكن بدلاً من ذلك، أخذ العجز المالي الحكومي يتضخم. ومتوسط أجور العمال العاديين اليوم ليس أعلى مما كان عليه في 1970.
ومنذ 1970، نما الاقتصاد بصورة هائلة. فإذا لم تكن الطبقة العاملة قد حصلت على حصة من الثروة الجديدة المتعاظمة، فمن حصل على هذه الثروة ؟. إنهم ال1% الأكثر ثراء.
وهذا ما فعله الكونجرس الجمهوري الآن بتخفيضاته الضريبية. وقانون الضرائب الجديد لن يخلق وظائف، ولن يحفز الاستثمار، ولن يعيد إلى الوطن الشركات التي نقلت أعمالها إلى بلدان في الخارج تفرض ضرائب أقل.
هذا القانون سيزيد كثيراً ثروات الـ1،26 مليون عائلة الأكثر ثراء، ويضمن أن يزداد بقيتنا فقراً.
وعندما يتم تخفيض الضرائب، تتقلص الخدمات الحكومية. وسوف تكون هناك الآن أموال أقل من أجل قطاعات مثل التعليم، وتمويل العلوم، ومعالجة أزمة الصحة الوطنية، وشق طرقات، ومكافحة بلية الجريمة المتفشية.
أما أثرى الأثرياء، الذين اشتروا السياسيين وجعلوهم يقرون هذا القانون، فسوف يزدادون ثراء.
*أكاديمي وكاتب أمريكي يدير مدونته «إنفورمد كومنت»
(www.informedcomment.com )