تقييد عمالقة التقنية
ألكس ويب *
بعد المخالفات الكثيرة التي ارتكبتها شركات التكنولوجيا الكبرى خلال السنوات الماضية والآثار السلبية التي نتجت عنها، قامت المفوضية الأوروبية بإصدار قانون حماية البيانات الذي ينظم بعضاً من أنشطة شركات التقنية في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن فرنسا وألمانيا تريان أن هذا القانون غير كافٍ، فقامتا بالاتفاق فيما بينهما على طريقة لفرض ضريبة جديدة على شركات وادي السيليكون، وهي فرصة مناسبة لأمريكا للتحرك الآن.
بعد أن اطلعتُ على البيان المشترك لكل من فرنسا وألمانيا، والذي أكد أنهما بصدد فرض ضريبة تبلغ 3% على الإعلانات الرقمية، أدركتُ أن الكرة الآن في ملعب أمريكا التي لم تتحرك حتى الآن جدياً في مسألة وضع قيود مشددة على وادي السيليكون. هذه الخطوة الثنائية تعتبر غير مسبوقة في القارة الأوروبية، وترسم معالم طريق جديد في كيفية التعامل مع تلك الشركات، خاصة منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وعملاق البحث «جوجل».
بدا الموقف الفرنسي في البداية أقل تشدداً من ألمانيا حيال البيانات، والتي تَعتبر التكنولوجيا عنصراً حيوياً بالنظر إلى كونها دولة صناعية متقدمة، ولكنها في المقابل يمكن أن تواجه مشكلة إذا ما قررت الشركات الصناعية الكبرى فيها عدم التعاون مع الحكومة في هذا الأمر بسبب اعتمادها على تدفق البيانات، وتم بعدها تعديل الخطة لتكون الضرائب المقررة على الإعلانات الرقمية فقط، وهو في النهاية محاولة منها لفرض قيود على منصات التواصل لتقويض قدرتها على استغلال بيانات المشتركين واستخدامها لأغراض تجارية بحتة.
هذا القرار الذي اتخذته الدولتان ربما يجد معارضة من دول مثل أيرلندا التي تتلقى الجزء الأكبر من الضرائب التي تدفعها كل من «فيسبوك» و«جوجل» في أوروبا، ولكن، ورغم ذلك فإنها تتفق معهما في الفكرة الأساسية الهادفة إلى حماية بيانات المستخدمين من الاستغلال، ولكن الخوف الأكبر بالنسبة لأوروبا يتمثل الآن في احتمالية قيام الإدارة الأمريكية بشن هجوم مضاد على وارداتها من الصناعات الألمانية والفرنسية وغيرها من الدول الداعمة لهذا القرار.
ولكن في النهاية، وإذا ما أدركت أمريكا أن الأمر برمته يهدف إلى حماية البيانات من الاستغلال وفرض الرقابة على شركات التكنولوجيا، فإنه حري بها الآن التحرك نحو فرض قوانين مشابهة تحميها من المشاكل الكثيرة التي نتجت عن تصرفات عمالقة التكنولوجيا، وكان الأولى أن تتحرك هي قبل أوروبا، خصوصاً أن كوارث منصات التواصل الاجتماعي ضربتها أولاً، مثل فضيحة «كامبردج أناليتيكا» وغيرها.
* «بلومبيرج»