تمكين المرأة في السّياق المغاربي
د. إدريس لكريني
إن الاهتمام بشؤون المرأة ومنحها المكانة اللائقة بها داخل المجتمع هو مؤشر على تقدم الأمم وتحضرها، كما أن دعم حقوقها هو مدخل للقضاء على مجموعة من الاختلالات والمشاكل داخل المجتمع.
فتحقق التنمية والديمقراطية لا يمكن أن يتأتيا دون تمكين المرأة وضمان حقوقها باعتبارها شريكاً أساسياً ومحورياً في تطوير المجتمعات؛ وهو ما تؤكده النظريات المرتبطة بالنوع الاجتماعي. كما أن دعم حقوق المرأة ليس منّة؛ بل هو حق مستمد من الدساتير ومختلف الاتفاقات والمعاهدات الدولية المرعية.
تؤكد مجمل الاتفاقات والمواثيق الدولية المرتبطة بقضايا المرأة؛ ضرورة ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة في الترشح والانتخاب وتولي الوظائف العامة في الدولة، وأهمية تقنين هذه المبادئ في الدساتير؛ وبلورتها ميدانياً؛ سواء تعلق الأمر منها بالمساواة أمام القانون أو المساواة في القانون، علاوة على الاعتراف بكافة الحقوق العامة والخاصة للنساء والرجال على السواء، وتمكينهن من التمتع بها، وضمان حماية هذه الحقوق.
يحيل تمكين المرأة إلى مجموعة من التدابير والمقومات والإجراءات المعتمدة، التي تسمح للمرأة بتطوير كفاءاتها بصورة تجعلها واعية بقدراتها وبإمكاناتها، وواثقة في نفسها، بما يؤدي إلى اندماجها داخل المجتمع، وإلى تجاوز العقبات، التي تعوق مساواتها مع الرجل، بصورة تجعلها قادرة على التأثير في صناعة القرارات.
ويجد هذا التمكين المتصل بمختلف الواجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، أساسه في متطلبات الممارسة الديمقراطية، وترسيخ أسس مواطنة بناءة داخل المجتمع؛ ذلك أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين حقوق الإنسان كما يتعارف عليها عالمياً، وحقوق المواطنة، التي تحيل إلى مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، التي تترتب وتتمخض عنها.
لما كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية، إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالاً؛ ومعاناة عدد من النساء من بعض المجالات المرتبطة بالأمية والفقر والإقصاء، لا يسمح لهن بتحقيق المساواة الفعلية؛ برغم عطائهن في مختلف المجالات؛ وبرغم الضوابط القانونية، التي تؤكد حقوقهن في هذا الشأن، فقد حظيت مسألة تمكين المرأة باهتمام عالمي واسع؛ بعدما بدأ المجتمع الدولي يعي حجم التمييز والتهميش الذي يطولها، وحجم الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
تشير الكثير من التقارير العربية والدولية إلى الصعوبات التي تعيشها المرأة على مختلف النواحي؛ من حيث تعرضها للعنف والظلم والإقصاء، التي تؤثر بالسلب في وضعيتها داخل المجتمع اقتصادياً وقانونياً وسياسياً واجتماعياً.
وفي هذا الصدد، تؤكد بعض التقارير أنه بحلول نهاية عام 2011، كانت النساء يمثلن ما يناهز 10.7 في المئة فقط من البرلمانيين داخل الدول العربية، علاوة على حجم العنف والمشكلات الاجتماعية، التي تلاقيها المرأة داخل عدد من هذه الدول.
وعموماً، يمكن إجمال الصعوبات، التي تعيشها المرأة في المنطقة على عدة مستويات؛ فعلى المستوى السياسي تعاني ضعفاً كبيراً؛ من حيث الولوج إلى مراكز القرار السياسي في ارتباط ذلك بالمؤسسات التمثيلية والحكومية، أما على المستوى الاقتصادي، فتشير الكثير من التقارير أيضاً إلى الضعف الكبير، الذي يعتري ولوج المرأة إلى سوق الشغل، وإلى أن أجور النساء تقل بشكل ملحوظ عن أجور الرجال بحوالي الثلث في عدد من هذه الدول.
وعلى المستوى الاجتماعي؛ فالثقافة السائدة في عدد من المجتمعات العربية تكرس نظرة دونية للمرأة، وهو ما تعكسه مخرجات التعليم وبعض وسائل الإعلام، التي تروج لصورة نمطية عن المرأة؛ مع وجود قصور كبير على مستوى الكشف عن معاناتها؛ علاوة على الاختلال الحاصل في أداء قنوات التنشئة الاجتماعية في هذا الصدد.
وعلى المستوى القانوني، تتعرض النساء في عدد من الدول العربية إلى عقوبات أقسى من الرجل بصدد بعض جرائم بعينها، مع وجود مظاهر من التمييز فيما يتعلق بقانون الجنسية، وعدم وجود صرامة قانونية كافية على مستوى مواجهة العنف، الذي يطالهن في بيت الزوجية، ووجود قوانين تكرّس أزمة العنف المرتكب ضدهن.
حققت المرأة المغربية مجموعة من المكتسبات في علاقتها بالتشريعات والمصادقة على عدد من الاتفاقات ذات الصلة أو على مستوى السياسات العمومية علاوة على تطوير حضورها داخل مراكز القرار الحكومي، وداخل الجماعات المحلية ومجلس النواب.. وعلى الرغم من ذلك؛ فهي تظل غير كافية، وبخاصة إذا استحضرنا معاناة الكثير من النساء في المدن والقرى من مشاكل الفقر والأمية والعنف..
أما في تونس؛ وبفضل الإرادة السياسية، التي عبّر عنها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قبل عقود مضت؛ تم سن «مجلة الأحوال الشخصية» منذ سنة 1956؛ حيث منحت للمرأة مجموعة من الحقوق؛ بما أسهم في تحسين أحوالها وحضورها داخل المجتمع. ويبدو أن المنظومة القانونية لعبت دوراً كبيراً في تعزيز حضور المرأة وتمكينها من الثقة في النفس وفي ترسيخ صورة إيجابية عنها داخل المجتمع، رغم الإشكالات التي ظلت تواجهها فيما يتعلق بولوج مراكز القرار.
وفي ليبيا؛ ثمة مفارقتان؛ فالتقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تشير إلى أن المرأة الليبية تعد من أكثر النساء تعلماً في المنطقة العربية؛ وتؤكد أن أكثر من نصف خريجي الجامعات الليبية هن من النساء؛ وفي مقابل ذلك لم تكن هناك أي استراتيجية سياسية أو منظومة قانونية واضحة أو مجتمع مدني فاعل يدعم حضورها؛ حيث ظل ولوج هذه الأخيرة إلى مجال العمل في القطاعات العامة والخاصة محدوداً.
drisslagrini@yahoo.fr