تنافس أمريكي صيني في آسيا
ريتشارد جواد حيدريان*
في 2017، كانت الصين الرابح الأكبر في آسيا على الصعيد الجيوسياسي، وكان ذلك على حساب الولايات المتحدة.
تنظر أكثرية دول جنوب شرق آسيا اليوم إلى الصين باعتبارها، عموماً، القوة الإقليمية المتفوقة. وهذا يعود إلى البراعة الاستراتيجية لبكين، بقدر ما هو نتيجة لأخطاء استراتيجية ارتكبتها الولايات المتحدة ولاعبون إقليميون.
وخلال وقت قصير، لم تنجح الصين فقط في سياستها القائمة على تطبيق مبدأ فرّق تسد في تعاملها مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، وإنما أيضاً في تحويل هذه الكتلة الإقليمية إلى ترس بمواجهة منافسيها الاستراتيجيين، وتحديداً الولايات المتحدة، خصوصاً في تعاملها مع نزاعاتها الإقليمية حول ملكية بحر الصين الجنوبي وجزره.
ومنذ 2003، ألقى الرئيس الصيني المنتخب حديثاً آنذاك شي جينبينغ خطاباً مهماً أطلق فيه مبادرة «دبلوماسية المحيط الإقليمي»، التي شكلت خطة لضمان تفوّق الصين في جوارها القريب. وهذه لم تكن مهمة سهلة، نظراً إلى تاريخ من النزاعات بين الصين والدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي.
ولكن تلك المبادرة كانت أيضاً رداً قوياً على استراتيجية «الانعطاف نحو آسيا» التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي اعتبرتها الصين محاولة لاحتوائها. كما عكست المبادرة سعي الصين لفرض سيطرتها على المياه المتاخمة.
ورداً على ذلك، كثّفت الفلبين وفيتنام جهودهما من أجل الحد من فعالية هذه الاستراتيجية الصينية في بحر الصين الجنوبي، في حين أن اليابان، وأستراليا وسنغافورة رحبت باستراتيجية «الانعطاف» الأمريكية، التي تضمّنت توسيع الوجود العسكري الأمريكي، خصوصاً البحري، في منطقة آسيا – الهادي.
ورداً على ذلك، دعا الرئيس شي القيادة الصينية إلى وضع استراتيجية «تعزز علاقة الصين السياسية مع بلدان الجوار». وشرح شي أن من الضروري بالنسبة للصين أن «توثق الروابط الاقتصادية وتوسع التعاون الأمني مع بلدان الجوار».
والآن، ينظر الرئيس الصيني بارتياح إلى بيئة استراتيجية إقليمية ملائمة لبلاده. وإذا كانت هذه السياسة الصينية الفاعلة قد أثمرت عوائد دبلوماسية، فإنها ساهمت أيضاً في إعادة توجه جذرية للسياسة الخارجية للاعبين آخرين معنيين في المنطقة، وخصوصاً منهم الولايات المتحدة والفلبين.
وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة توجيه السياسة الأمريكية تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، اعتبر بنظر الزعماء الإقليميين بمثابة توجه انعزالي، ما جعل أصدقاء وحلفاء لأمريكا منذ زمن طويل ينفرون من هذه السياسة. وتأكيد ترامب على شعار «أمريكا أولاً»، وتركيزه على اتباع سياسات اقتصادية حمائية، وإطلاقه تصريحات سياسية عاصفة نادراً ما كان يتبعها بعمل فعلي، كل ذلك قوّض ثقة دول جنوب شرق آسيا في الزعامة الأمريكية.
وحسب مسح أجراه مركز «بيو» للدراسات الأمريكي بهدف قياس الثقة العالمية بقيادة أمريكا حالياً، وشمل 37 بلداً، فإن هذه الثقة تراجعت 42 نقطة مئوية بالمقارنة مع آخر سنة لإدارة الرئيس باراك أوباما. وقد شمل المسح دول جنوب شرق آسيا، وأظهر أن الفلبين وإندونيسيا وفيتنام على نحو خاص، لديها مصلحة كبيرة في موازنة الصعود السريع للقوة الصينية. غير أن قرار الرئيس ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة «الشراكة عبر الهادي» لم يترك لأمريكا أي مبادرة اقتصادية إقليمية مهمة.
وعلى النقيض من ذلك، عرضت الصين مبادرات وبرامج متعددة للتنمية الإقليمية، مثل إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومبادرة طريق الحرير البحرية، وخصوصاً «مبادرة طريق وحزام» التي رصدت لها بكين تريليون دولار.
وفي الواقع، استغلت الصين بشكل بارع نفوذها الاقتصادي المتعاظم وما بدا أنه تراجع في النفوذ الأمريكي، لتضيف وزناً إلى رأسمالها الجيوسياسي في منطقة جنوب شرق آسيا. ويبدو ذلك واضحاً تماماً في حالات حلفاء استراتيجيين تقليديين للولايات المتحدة، مثل الفلبين، أعادوا توجيه سياساتهم من أجل توثيق علاقاتهم الاقتصادية مع الصين.
*بروفسور مساعد للشؤون الدولية والعلوم السياسية بجامعة دي لاسال في مانيلا (الفلبين) موقع «آسيا تايمز»