تنحية «إسرائيل» جانباً
د. محمد الصياد
هنالك العديد من اليهود الأمريكيين، الذين شغلوا مناصب رفيعة داخل السلطة التشريعية بغرفتيها (النواب والشيوخ)، والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة. ولا زال الكثير منهم يشغل حتى اليوم هذه المناصب المؤثرة في صناعة القرار الأمريكي. ولربما كان جو ليبرمان أول من كاد يقبض على منصب نائب الرئيس حين اختاره آل غور ليكون نائباً له عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية في عام 2000، التي خسرها آل غور لمصلحة جورج بوش الابن بطريقة لا زالت محل جدل حتى اليوم؛ بل إن ليبرمان ذهب إلى أكثر من ذلك؛ حين رشح نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية التمهيدية عن الحزب الديمقراطي في عام 2004، إلا أنه سقط سقوطاً مدوياً بأصوات الليبراليين في الحزب الديمقراطي عقاباً له على تأييده الحرب، التي شنها جورج بوش الابن ضد العراق. وكان ليبرمان قاب قوسين أو أدنى من تنصيبه من قبل الرئيس دونالد ترامب في منصب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي خلفاً لجيمس كومي، الذي أقاله الرئيس ترامب من منصبه.
اليوم، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، فإن «إسرائيل» صارت تتمتع بما يفوق النفوذ في السلطة التنفيذية الأمريكية، إلى المشاركة الفعلية والمباشرة في صناعة قراراتها. وهو ما يتمثل تحديداً في صهر الرئيس جاريد كوشنر صاحب التأثير الأكبر على الرئيس في العديد من القرارات المصيرية. فقد عُرف الرجل بسخاء تبرعاته؛ لتمويل بناء المستوطنات، وبحماسته المفرطة لوضع حد لحالة الحصار العربي، التي تحيط ب«إسرائيل» منذ إنشائها في 1948. ولا شك أن تهويد زوجته، ابنة الرئيس، والمزاج المسيحي الإنجيلي، الذي أظهره الرئيس سواء خلال زيارته لحائط البراق في القدس المحتلة، أو خلال مشاركته في قداديس الطائفة، التي ظهرت في أوساط الأمريكيين البيض بين أعوام 1820 و1830؛ باعتبارها أكثر فروع المسيحية للبيض تطرفاً في الولايات المتحدة، والذين تشكل نسبتهم حوالي 20% – يفسران ليس فقط قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وإنما التعبير الصريح عن الاستعداد للمشاركة المباشرة معها في أي حرب تخوضها في المستقبل.
لذا نزعم أن «إسرائيل» قد أُصيبت بالصدمة حين أصدر جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض، على نحو مفاجئ ودرامي، كحال مفاجآت البيت الأبيض هذه الأيام، قراراً في 27 فبراير قضى بسحب التصريح الممنوح لصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، كمستشار للرئيس، من قبل رئيس وكالة الأمن الوطني، بالاطّلاع على المعلومات السرية والحساسة، ومنعه من الوصول إلى المعلومات الحساسة في البيت الأبيض. أين تكمن المفاجأة؟، إنها تكمن فيما كشفت عنه ملابسات القرار، وهو أن صهر الرئيس، الذي لا يتمتع بأية صفة رسمية معتمدة من السلطة التشريعية بغرفتيها النواب والشيوخ، كان يطلع بصفة يومية على أكثر تقارير الدولة الأمريكية حساسيةً، وهو التقرير الذي يُعده رئيس وكالة الأمن الوطني، وتشارك فيه الأجهزة الأمريكية بالغة الحساسية الأمنية، وقد كانت طريقة إخراج الموضوع لا تقل إثارة للجدل، فذهبت الرواية الرسمية إلى أنه «بالنظر إلى نقاط ضعفه (كوشنر) واحتمال استغلاله من قبل أطراف أخرى (دولية أساساً)، وتكرار تقديمه بيانات كاذبة في الكشف المالي الخاص به، فقد قرر رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض جون كيلي، خفض تصنيف كوشنر الأمني، بما لا يسمح له بقراءة الوثائق ذات التصنيف «بالغ السرية»، ومنعه من دخول اجتماعات الإحاطة اليومية الاستخبارية مع الرئيس ترامب». ويمكن القول إن هذا الشاب الذي لا يملك أي رصيد سياسي أو دبلوماسي، الذي لم تمر عملية توظيفه من قبل الرئيس، على غرفتي السلطة التشريعية، ربما يكون أرفع مسؤول أمريكي، منذ كيسينجر، تنجح «إسرائيل» في زرعه داخل أروقة السلطة التنفيذية الأمريكية؛ بل وداخل مطبخ القرارات الجارية والحاسمة، أي البيت الأبيض. فالموقع الذي شغله هذا الرجل، أكثر أهمية وأخطر من مواقع كل من سبقوه من رجال نجحت «إسرائيل» في زرعهم داخل المؤسسة الأمريكية الحاكمة، بمن فيهم الجاسوس جوناثان بولارد، الذي أدين بتهمة التجسس لحساب «إسرائيل»، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1986.
كثيرة هي الاتهامات التي سيقت ضد كوشنر، لعل أخطرها تلك التي تتعلَّق بمحاولات استغلاله لمنصبه، والحصول على قروض مالية بملايين الدولارات؛ لإنقاذ شركة أسرته العقارية من الإفلاس. حتى أن نائبة رئيس مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، طالبت ترامب بطرد كوشنر على الفور؛ لأن وجوده يتنافى مع العقل والمنطق.
alsayyadm@yahoo.com