تهدئة مؤقتة بين الكوريتين
مفتاح شعيب
أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فتح النافذة الدبلوماسية على كوريا الشمالية، عندما أعلن أن واشنطن مستعدة لإجراء محادثات مع بيونج يانج، معترفاً بأن مواقف بلاده «كانت متشددة للغاية»، في إشارة إلى العقوبات الأخيرة «القاسية» التي فرضها على كوريا الشمالية لإنهاء برنامجها النووي وصواريخها العابرة للقارات.
بالتزامن مع تصريح ترامب، دعا رئيس كوريا الجنوبية «مون جاي إن» الولايات المتحدة إلى خفض سقف شروطها للحوار مع بيونج يانج، في وقت تنشط فيه الاتصالات بين الكوريتين، فللمرة الثانية خلال أقل من شهر وصل وفد رفيع من الشمال إلى سيؤول للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ببيونج تشانج، وقد كانت فرصة نادرة للتواصل بين الشقيقين اللدودين. وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية لم تحقق أي انتصار رياضي لافت في الأولمبياد، إلا أنها حققت إنجازاً دبلوماسياً عندما سجلت انفراجة نسبية مع جارتها ، كما نجحت نسبياً في تسويق أنها ليست «دولة مارقة»، وبإمكانها أن تشارك في المحافل الدولية مهما كان نوعها. ويبدو أن الاتصالات بين الكوريتين قد حققت بعض النتائج. وكلمة السر كانت في مشاركة شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم يو- جونج في الافتتاح، ثم زيارة الجنرال كيم يونج شول في حفل الاختتام ولقائه الرئيس الجنوبي، وتمثل الزيارتان معاً أرفع اتصال يتم بين البلدين منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953، وهو ما أشاع أملاً وسجل نقاطاً إيجابية باتجاه عمل جاد يقرب بين الجارتين.
قد يكون التفاؤل بالانفراج مفرطاً وغير منطقي في حالة الأزمة بين الكوريتين، لأن خيوط الصراع تتجاوزهما إلى أطراف أخرى، وهي أساساً الولايات المتحدة واليابان من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، فهذه القوى الأربع هي التي تمتلك مفاتيح الحرب والسلام في شبه الجزيرة الكورية منذ عقود. وعلى هذا الأساس يمكن الاعتقاد بأن التهدئة الحالية قد لا تستمر طويلاً، فقد يجد أحد الأطراف أن لا مصلحة له في انتهاء الأزمة، وهو ما يتبين من منعطفات المأزق، فكلما لاحت بارقة أمل، أعقبها بعد حين تصعيد وأجواء ساخنة توحي بأن الانفجار واقع لا محالة.
وسط أجواء التهدئة المؤقتة، أطلقت اليابان قمراً اصطناعياً لمراقبة منشآت إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية والتطورات المحتملة. وتكشف هذه الخطوة بواعث القلق المتزايدة في تلك المنطقة، كما توحي بأن لا شيء تغير، فاللاعبون ما زالوا كل في مكانه محافظاً على أسلحته وخطابه التصعيدي. وبالمقابل، هاجمت الصين العقوبات الأمريكية الجديدة على كوريا الشمالية، وهددت بلغة مباشرة أن المضي في تلك الإجراءات سيلحق ضرراً بليغاً بالتعاون بين بكين وواشنطن «في المجالات ذات الصلة» وفي الصدارة منها ملف نووي كوريا الشمالية وبرامجها الصاروخية.
المقابلة بين مؤشرات التفاؤل وبواعث القلق، ترجح أن لا تغيير في شبه الجزيرة الكورية، فالأزمة ستظل على حالها، ووضعها الطبيعي هو أن تظل في دائرة التجاذب والاستقطاب، دون أن يتمكن أحد الأطراف من حسم الوضع سلماً أو حرباً لأن طبيعة الأزمة تفرض أن يظل التوتر موجوداً والحفاظ عليه إلى أجل غير مسمى.
chouaibmeftah@gmail.com