تونس واختبارات الديمقراطية
فتح العليم الفكي
يبدو أن المشهد السياسي في تونس – التي تواجه منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي موجة من الاحتجاجات المستمرة – على موعد مع المزيد من الاحتجاجات والتحركات الشبابية التي تطالب بتوفير فرص عمل وبالتنمية المتوازنة.
لقد بلغت الاحتجاجات خلال شهر يناير وحده 1490 احتجاجاً بسبب الموازنة وارتفاع الأسعار وانعدام فرص التوظيف، وامتدت هذه الاحتجاجات خلال الأسبوع المنصرم من مدن الداخل إلى العاصمة الاقتصادية للبلاد مدينة صفاقس، حيث أغلق المحتجون الطرق المؤدية إلى مناجم الفوسفات، وفي قفصة بالجنوب احتل المحتجون شركة الفوسفات وعملوا على تعطيل تصديره، الأمر الذي ينذر بانفراط عقد الأمن والسلم الاجتماعي في البلاد ويحرمها من العملات الصعبة في ظل انخفاض احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى أدنى مستوياتها منذ 15 عاماً. ووفقاً لتقديرات البنك المركزي أصبحت الاحتياطات النقدية أقل من خمسة مليارات دولار وتكفي لاستيراد احتياجات البلاد لمدة 82 يوماً فقط، الأمر الذي حذر منه خبراء الاقتصاد وقالوا إن النزول تحت حدود 90 يوماً من الواردات ينذر بالخطر.
لا أحد يمكن أن يلوم حكومة يوسف الشاهد أو الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس بعد ثورة يناير2011 وتحميلها وزر الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد التونسي ومشكلات التنمية غير المتوازنة، التي هي نتاج تراكمات وسنوات طويلة من الحكم الشمولي، وعلاج هذه الاختلالات يحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب وزيادة الإنتاج ومكافحة الإرهاب ومحاصرة الفساد وهو ما ظلت تعمل عليه حكومات ما بعد الثورة.
ولعل من المشاريع التي تسعى حكومة الشاهد إلى معالجتها مسألة خفض الإنفاق على الأجور التي تعد من بين الأعلى في العالم إذ تبلغ 15% من إجمالي الناتج القومي، وتهزم هذه الاحتجاجات المشروع، إذ تجعل الحكومة في دوامة، فبدلاً من إنفاذ خطتها بخفض الفصل الأول من موازنتها تجد نفسها مرغمة لزيادة هذا الفصل تلبية لضغوطات من مجموعات شبابية يتم توظيفها في وظائف حكومية قد لا تكون الدولة أصلاً في حاجة لها.
وبعيداً عن شرعية هذه الاحتجاجات من عدمها، فإن خطورتها تكمن في أنها تضع الديمقراطية الوليدة في تونس على المحك، وتظهر حكوماتها المتعاقبة بمظهر العاجز، خاصة أنها احتجاجات عفوية لا يتبناها أي تنظيم سياسي وإن كان يدعمها من طرف خفي اتحاد الشغل.
إن القوى السياسية والنقابية التونسية مطالبة بالعمل جنباً إلى جنب مع الحكومة للخروج من هذا النفق الذي بات يهدد الديمقراطية نفسها، وقد تجلت هذه التهديدات في العزوف عن التسجيل للانتخابات البلدية التي ستجرى في مايو/ أيار المقبل، في مؤشر خطر ينبغي الوقوف عنده طويلاً ودراسة التجربة الوليدة وإلى أين تسير؟
alzahraapress@yahoo.com