ثلاثة خيارات تواجه نتنياهو
د. محمد السعيد إدريس
التساؤلات كثيرة داخل «إسرائيل» عن الدوافع والأسباب التي جعلت بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، يسافر إلى واشنطن رغم قسوة الظروف العصيبة التي يواجهها بسبب اتهامات كثيرة بالفساد قد تقوده إلى المحاكمة، وقد يجد نفسه مضطراً إلى الاستقالة. الأرجح أن نتنياهو أراد أن يجعل من واشنطن ملاذاً للاحتماء من العداوات التي يواجهها داخل الكيان، لذلك جاء برنامج لقاءاته مفعماً بالاستعراضات، لدرجة حفَّزت «حيمي شليف»، الكاتب في صحيفة «هآرتس»، لوصف هذه الاستعراضات بأنها «قد تكون الأخيرة بالنسبة إليه»، وبالذات استعراضاته أمام المؤتمر السنوي للجنة الأمريكية- «الإسرائيلية» للعلاقات العامة «إيباك» التي استقبلته كأنه «قيصر عاد من الغزوات إلى مجلس الشيوخ الروماني».
فقد تعمد نتنياهو أن يظهر قوياً واستعلائياً إلى أقصى قدراته، وهو يستعرض إنجازاته مع الرئيس الأمريكي، سواء في لقائه الصحفي مع ترامب عقب انتهاء جلسة مباحثاتهما، أو حتى أمام مؤتمر «إيباك». إذ حاول تقزيم الشأن الفلسطيني قدر الاستطاعة، واعتبار أن ذلك من أهم إنجازاته، كما حاول تضخيم الخطر الإيراني، وإظهار تطابق الرؤى مع الرئيس الأمريكي لمواجهته. فلدى خروجه من اجتماعه مع ترامب قال «لم نتحدث عن الفلسطينيين أكثر من ربع ساعة، وإن نصف الوقت خصص لإيران، وربما أكثر.. موضوع المحادثات المركزي كان إيران ثم إيران ثم إيران»، كما تعمد أن يقول إنه «لم ير أي مسودة أو جدولاً زمنياً لخطة السلام الأمريكية»، في إشارة إلى احتمالات تجميد هذه الخطة لمصلحة المشروع «الإسرائيلي» للسلام، كما يراه نتنياهو.
كان نتنياهو يتحدث أمام الحضور في مؤتمر الإيباك الذي لا يقل عن كونه مؤتمراً أوسع لحزب الليكود الحاكم في «تل أبيب»، لكنه في حقيقة الأمر كان يتحدث إلى من ينتظرون عودته في «تل أبيب»، سواء كانوا من المعارضة، أو حتى من المنافسين له داخل تحالفه الحاكم، المتربصين للانقضاض عليه. كان يقول لهؤلاء جميعاً إنه مدعوم من أقوى دولة في العالم، وإنه يحظى بدعم غير مسبوق من الرئيس الأمريكي الذي ربما يشارك في احتفالات «إسرائيل» بعيدها السبعيني مع احتفالات الأمريكيين بنقل سفارتهم إلى القدس في الرابع عشر من مايو/ أيار القادم.
الذين تابعوا استعراضات نتنياهو في واشنطن قارنوها بما ينتظره من مصير مشؤوم في «تل أبيب»، خاصة بعد صعود أزمة قانون تجنيد المتدينين (الحريديم) للجيش وارتباطها بإشكالية إقرار الموازنة العامة للدولة، وهي قضية تم حلها مؤقتاً، إضافة إلى ما حدث من تطورات شديدة السلبية في قضايا الفساد المتهم فيها نتنياهو وزوجته بعد أن خانه عدد من أقرب مساعديه وتحولوا إلى «شهود» ضده، آخرهم مستشاره السابق «نيرحيفتس» الذي وقع اتفاقاً مع الشرطة ليكون شاهداً ضد نتنياهو مقابل أن يحصل على مزايا في محاكمته. ففي «تل أبيب» قد يضطر نتنياهو إلى الاستقالة إذا قدم للمحاكمة، وقد ينفرط التحالف الحاكم بانسحاب أحد، أو بعض الأحزاب الحليفة إذا قدم للمحاكمة، ولم يبادر بالاستقالة، وقد يجد نتنياهو نفسه مضطراً إلى خيار الانتخابات المبكرة كخيار أخير يهدد به الجميع.
هذا الخيار الأخير ربما يكون الأفضل بالنسبة إلى نتيناهو، لكنه الأسوأ بالنسبة لشركائه في الحكم خاصة كبار المنافسين مثل وزير التربية نفتالي بينيت، وأفيجدور ليبرمان وزير الحرب، فضلاً عن أنه خيار سيئ لأحزاب المعارضة، نظراً لأن كل استطلاعات الرأي تشير تقريباً إلى أن نتنياهو وحزبه الليكود سيكون الأوفر حظاً من الجميع في هذه الظروف.
الأخطر من هذا كله هو مساندة الرأي العام لشخص نتنياهو. فالرأي العام لم يعد يكترث كثيراً لقضايا الفساد. وهذا تطور شديد الخطورة على تماسك المجتمع «الإسرائيلي» بعد أن أصبح الفساد أمراً شائعاً ومألوفاً، وتورط العديد من كبار رجال الحكم في قضايا فساد دخلوا بسببها السجون. فالواضح الآن أن «الإسرائيليين» تأقلموا مع هذا الفساد، وأصبحوا قادرين على التعايش معه، فقد أصبح الأمن يحظى بالأولوية القصوى لدى «الإسرائيليين» الذين باتوا مستعدين للتضحية بأشياء كثيرة مقابل الأمن، وهذه هي أهم أوراق نتنياهو التي يلعب بها والتي تفسر حديثه المتواصل عن الحرب وعن الخطر الإيراني، ليس لخوض حرب حقيقية، ولكن للتهديد بها باعتبارها خطراً يجري توظيفه سياسياً لردع من يريدون إقصاءه عن الحكم بذرائع قضايا الفساد.
خيار صعب، قد يجد نتنياهو نفسه مضطراً للتورط فيه، وإن كان لا يريده الآن، لذلك سيكون عليه أن يختار، في حال ثبوت تهم الفساد ضده، بين الاستقالة، إذا وجد أنها مطلباً لشركائه في الحكم، أو الانتخابات المبكرة التي تعتبر خياره الأرجح لكسب المعركة ضد الجميع.
msiidries@gmail.com