جاكوب زوما
صادق ناشر
لم يخالف رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، البالغ من العمر 74 عاماً، توقعات الكثير من المراقبين لشؤون الحكام في العالم الثالث، فالرجل أثبت أن حاله، حال الكثير من الرؤساء الذين لا يرغبون في مغادرة كرسي الحكم إلا بعد أن يثيروا الكثير من الزوابع ويوسعوا دائرة الخلافات في القصر الحاكم وخارجه، ويقسموا المجتمع بين مؤيد ومعارض، وفي كثير من الحالات يقودون بلدانهم إلى حروب يسقط خلالها ضحايا أبرياء لا ذنب لهم فيما يجري من صراع على السلطة.
وفي الأشهر الأخيرة بدت جنوب إفريقيا منقسمة على ذاتها، بعد تزايد الضغوط على زوما للاستقالة والتنحي عن رئاسة البلاد، بعد أن وصلت الأوضاع في البلاد إلى حال مزرٍ، ووجد زوما نفسه واقعاً تحت ضغوط أعضاء اللجنة التنفيذية القومية في حزب المؤتمر الوطني، الذين حشدوا أنفسهم للضغط عليه للاستقالة ومغادرة الحكم من دون إراقة دماء، وهو ما حصل في نهاية المطاف عندما استسلم للضغوط وقرر التنحي عن الرئاسة، لأن البديل كان نقل الأزمة إلى البرلمان، الذي كان يستعد لخلعه من منصبه وتعيين نائبه خلفاً له، وهو ما حدث، حيث تم تعيين سيريل راموفوزا رئيساً جديداً للبلاد من قبل البرلمان بعد ساعات من إعلان زوما التنحي عن منصبه، وأصدر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بياناً قال فيه: إن استقالة زوما «منحت الثقة لشعب جنوب إفريقيا»، أي أن الاستقالة جنبت البلاد حمّام دم.
حفلت فترة حكم زوما، الممتدة لتسع سنوات بالعديد من الفضائح والاتهامات، كما عانى الاقتصاد في البلاد من حالة مأساوية، أثّرت على الشعب، الذي كان يتوق لمرحلة أكثر ازدهاراً، وكان الكثير من المراقبين يراهنون على جنوب إفريقيا، لتكون نموذجاً للدولة الصاعدة التي تخرج من عباءة الحكم المطلق إلى رحاب الديمقراطية، خاصة بعد العقود الطويلة التي وقعت فيها تحت حكم البيض، وتتحول إلى دولة جامعة للأطراف كافة، إلا أن زوما أراد أن يختار الطريق نفسه الذي اختاره رؤساء سابقون عرب وأفارقة.
لقد نجا زوما من محاولات سابقة بإقالته من رئاسة الحزب، لكن الرجل لم يستفد من حالة الصحوة التي ظهرت في الحزب، بعد أن وصلت حالة الاحتقان في البلاد إلى مرحلة لم يعد معها الوضع قابلاً للاستمرار، ووجد الرجل نفسه مخيراً بين البقاء وتحمل نتائج مواجهات شاملة، أو الرحيل وتجنيب البلاد خضّات عنيفة، قد تودي باستقرارها، فاختار الثاني بعد أن شعر أن قبضته على الحكم ضعفت وأن حلفاءه في الداخل والخارج انفضوا من حوله وتركوه وحيداً.
تزايد دعوات استقالة زوما من الحكم تصاعد مع تزايد اتهامات الفساد والعثرات السياسية، وبعد أن أدت الخصومة مع وزير المالية برافين جوردهان بشأن مصلحة الضرائب إلى تعكير صفو الأسواق في بلد يعد أهم البلدان الاقتصادية في إفريقيا، لكن السلطة أعمت الرجل عن رؤية الحقيقة، وأراد تجريب حظه في الصمود أمام المطالبات الشعبية والسياسية باستقالته، غير أنه أدرك أنه سيكون سبباً في انزلاق البلاد في دوّامة الفوضى؛ فاختار التنحي وإنقاذ جنوب إفريقيا من مصير كان سيقذف بها إلى المجهول.
sadeqnasher8@gmail.com