جرائم وهم الإبداع
عبد اللطيف الزبيدي
هل يُعقل أن تقود أوهام الإبداع البرامج التلفزيونية، إلى ارتكاب جنايات إعلامية جرّاء الغفلة وانعدام المسؤولية؟ هذه الزلات المأساوية غير جديدة على«الكاميرا الخفية»، في العالم العربيّ بخاصة، ولكنها لم تنحدر إلى مثل هذا الدّرك الأخلاقيّ المهنيّ في يوم من الأيام.
الغريب المريب، هو أن الإعلام المقروء والمسموع والمرئيّ، يخضع في كل صوره لدورة إنتاجية فيها سلسلة عمل تراتبيّ، متمثّل في مجموعة غرابيل وتدقيقات وفحوص. لا شك في أن الأخطاء تحدث حتى في أحسن البيوت، لكن، أن تكون سلسلة المراتب كلها نخبة حمقى وصفوة أغبياء، فهذا ما لا تجود به غرائب الأمخاخ كل يوم.
«الشيء من مأتاه لا يُستغرب»، فالانفلات في الشقيقة ليبيا، انعكس على هيئة إنتاج بالصوت والصورة، وللحيطة والحذر قد لا يكون تلفزيونيّا وإنما مجرّد إعداد فيديوئيّ يوتيوبيّ. لا يتصور أحد أن قناة رسمية محترمة تجرؤ على تصويب مثل هذه القناة إلى قلوب مشاهديها. المشهد: ثلاثة «داعشيين»اختطفوا عربيا أسمر مهندماً ببدلة أنيقة، على ساحل البحر، يأمرونه بأن يجثو على ركبتيه، وبالمُدى الكبيرة المقوّسة يتهددونه بالذبح، وهو يبكي ويستغيث. التدقيق الفاحص لردود فعله يبعث على الاعتقاد أنه من فريق العمل. لكن التمثيل لا أهمية له على الإطلاق، فالأهم هو المتلقي. المشاهد يدفع النقود، يقتطع تذكرة لحضور مسرحية أو فيلم، وهو يعلم سلفاً أن ما سيحدث على الشاشة أو على المسرح ليس قتلاً حقيقياً، ومع ذلك تذرف عيناه الدموع، ويكره القاتل ويتعاطف مع القتيل، ويعلم أيضا أن يديه ستحترقان تصفيقاً للضحية التي ستعود إلى الحياة بعدما«تخلص الحدّوتة»، وأن قتلى الفيلم عند تألّق الفيلم يحصدون جوائز الأوسكار. لكن التأثير لا يتأثر بذلك.
في نهاية البرنامج «الداعشي» يقول أصحاب السكاكين الطويلة للمسكين: «ما لك تبكي يا رجل؟ كنّا نمزح معك، انظر هناك إلى الكاميرا الخفيّة». لنأخذ المسألة على محمل الجدّ، ماذا لو كان الإعداد واقعيّا، وتوقف قلبه رعبا؟ لو بُثّ هذا في قناة دولة تحظى بضوابط إعلامية، لاقتيد فريق العمل إلى قفص الاتهام بتهمة الشروع في القتل. في قانون المرور، يُعدّ اختراق الإشارة الحمراء في الدول المتقدمة شروعاً في القتل.أن يضع أحدٌ خنجراً على رقبة إنسان، بدعوى «الإبداع الإعلامي»، فأمر يتجاوز حدود الجنون. ماذا لو اختطف المدية وبقر بطن الفاعل؟ من بين مليون ذريعة، لا توجد واحدة تبرّر الفظاعة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الغرائبية: عندما ينعدم الضمير، يمسي العنف الإرهابيّ مصدر إلهام.
abuzzabaed@gmail.com