مقالات عامة

جيل البوتوكس

نور المحمود

تحب أن تسترق السمع أحياناً لدردشات الصغار، وحكايات المراهقين. تتذكر طفولتك، فبعض المواقف يشعرك بأن الزمن يعيد الشريط إلى الوراء، يكرر نفسه مستعيراً للأشخاص أسماء أخرى، ويلبسهم وجوهاً جديدة. وبعض الدردشات يضعك في خانة «القدماء»، وكأنك عجوز، وهؤلاء الصغار يبعدون عنك مسافة أزمان وأزمان.
أنت كبرت في زمن البساطة في كل شيء، وهم يكبرون في زمن التكلّف والتصنّع في كل شيء. كنت ترى الاختلاف بينك وبين الآخرين أمراً عادياً وطبيعياً، هكذا خلق الله الإنسان، لكل جماله ومميزاته وشكله. وكنت ترى في التميز والاختلاف بين الناس تكاملاً، فهل يكتمل جمال الحقول والبساتين لولا تنوع ألوان وأشكال الزهور والنباتات والأشجار؟
هكذا كانت عينك ونفسك راضية، بينما الرضا أصبح جوهرة ثمينة وأحياناً مفقودة، تبحث عنها بين أكوام المعترضين، الباحثين باستمرار عن التغيير. يعترضون على أي شيء، على كل شيء، حتى أشكالهم لا ترضيهم.
تستغرب حديث الصغار عن التجميل. الفتيات والفتيان، يريدون التغيير ليصيروا كالدمى المتشابهة إلى حد التطابق.. لا ترعبهم فكرة إجراء عملية أو زيارة عيادة والتعرض للجراحة.. حتى حقنة البوتوكس والسيليكون صارت أمراً عادياً، وحلاً سحرياً وسريعاً. أما نحن، فكنا بكل براءة أو سذاجة، سمّها كما شئت، نخاف من اسم «الحقنة»، وكانت «البعبع» الذي يهددوننا به.
هل يسمعون عن مخاطر السيليكون مثلاً؟ هل يقرؤون كل التحذيرات التي ترد باستمرار من جهات طبية محلية أو عالمية، وتوعيات وزارة الصحة، من الأمراض والتشوهات التي قد تحدث بسبب تلك الحقن، مثل تصلب الجلد وظهور كتل، والعدوى..؟
الكارثة أن الكل يرى ويسمع، وقلة تستجيب وتتفاعل بشكل إيجابي، بينما مازال تجّار الطب يبيعون السموم ويستغلون هذه الهجمة نحو التجميل، ويخالفون القوانين ويجرون عمليات في عيادات غير مرخصة، أو في شقق أو في مراكز تجميل.
لا شيء يبرر الرغبة القوية في التجميل، سوى موضة تقليد المشاهير، وتلك العدوى التي تنتقل سريعاً بين المراهقين، المأخوذين بالعنفوان والطيش والجهل والرغبة في إثبات الذات بلا حكمة أو حذر.
ولا شيء يبرر تجاهل الأهل لكل المخاطر، من أجل تلبية رغبات أبنائهم وبناتهم، وكأن حرمانهم من الضرر هو قمع أو دكتاتورية تحول دون نمو شخصية الأبناء بشكل سليم. رحم الله أيام «المنع» الذي مارسه آباؤنا، فكم كان حكيماً وصائباً وحال دون وقوعنا في مطبات مرّة وصعبة!

noorlmahmoud17@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى