مقالات عامة

جيل محظوظ

شيماء المرزوقي

لم تشهد البشرية شغفاً وتطلعاً نحو المستقبل كما نرى في هذا الزمن، ولعل الذي ساعد على كل هذا الحماس هو رؤية منجزات مذهلة تتحقق فعلاً على أرض الواقع، كانت تعد قبل عقود قليلة من الخرافات أو الأوهام والأحلام ولا أكثر.
لقد آمن الإنسان بأنه لا مستحيل، وأن كل فكرة يمكن أن تتحول لتصبح واقعاً نعيشه. لا أريد القول بأن الإيمان والاعتقاد الجازم بقوة العلم تأخرا طويلاً؛ لأننا نعرف أن التاريخ البشري محمل بأحداث مؤلمة لعلماء تم قتلهم؛ لأنه تم اتهامهم بالخرافات والسحر والشعوذة، بمعنى أن الإنسان نفسه كان عدواً للتطور والتقدم، فلم يكن هناك شغف بالمستقبل، ولم يكن هناك أي تطلعات براقة ومتفائلة عن الغد.
وهذه النظرة لم تكن في مجتمع دون آخر، وأيضاً لم تكن محدودة بزمن، بل امتدت لعصور طويلة، وقد تكون مثل هذه النظرة نحو العلم والتطور تبدلت مع دخول البشرية لحقبة ما يسمى بالثورة الصناعية. ورغم أنه في بدايات هذه الثورة حاول البعض المحافظة على هياكلها وطبيعتها من دون أي تعديلات وتغير، مما ساهم في حركة بطيئة نحو المستقبل، لكن هذا جميعه تغير قبل دخول الألفية الجديدة، وتحديداً مع بداية التسعينات، عندما بدأت محاولات خجولة لشبكة الإنترنت، سرعان ما انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم.
نحن اليوم نتحدث عن فترة زمنية تقدر بأقل من ثلاثة عقود من الزمن، ليست مئة عام ولا خمسمئة عام، وإنما أقل من ثلاثين عاماً، دخلت شبكة الإنترنت في كافة مفاصل حياتنا، وقادت تطورات مذهلة، وساهمت في إحداث ثورة في عالم الاتصالات، وجعلت الهواتف الصغيرة الذكية بمثابة مكتب متنقل في أيدينا. ولا زالت هذه الشبكة تتطور وتنمو بشكل مطرد، فلم تتوقف أو تخفف من انطلاقتها القوية، وها نحن نشهد حقبة الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد كلياً على شبكة الإنترنت، بل هي بمثابة العقل والموجه والروح للروبوتات.
ومع هذا الزخم تطورت مخترعات كثيرة في مجالات العلوم والطب والفضاء وغيرها كثير، ولا يتوقع أن تتراجع البشرية أو تخفف من تقدمها.. إننا من دون شك نعتبر جيلاً محظوظاً جداً؛ كوننا عشنا في هذه الحقبة، ونشهد كل هذه التغيرات الجسيمة المهولة، التي تقع في العالم الذي نعيش فيه.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى