«جيوش حفظ البيئة».. شرُّها أكثر من خيرها
روزالين دافي، حنا ديكنسون ، لور جواني
يتعرض كثير من الدول الأفريقية، لتدخلات عسكرية، من قبل ما يُسمى «جيوش حفظ» البيئة والموارد الطبيعية، التي تسعى إلى تحقيق مآرب خاصة، تحت غطاء الزعم بأنها تهدف إلى القضاء على الصيد غير المشروع في بعض دول القارة.
أصبح حفظ البيئة والموارد الطبيعية، أكثر اتّساماً بالطابع العسكري، وهو يدعو إلى القلق. وقد أدى ارتفاع معدلات الصيد غير المشروع للفيلة ووحيد القرن في أفريقيا، والمخاوف من وجود صلة بين الصيادين والإرهابيين، إلى دخول جيوش وطنية أجنبية، وشركات عسكرية خاصة، وحتى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، معترك حماية الحياة البرية.
وليس الجميع سعداء برؤية هذه الجيوش: فقد أصدرت «رابطة الصيادين الجوالين في أفريقيا» بياناً يثير المخاوف من تنامي أعداد الأفراد العسكريين من خارج أفريقيا، الذين يشاركون في تدريب حراس الغابات وعمليات مكافحة الصيد غير المشروع في أنحاء القارة.
والمقاولون الخاصون، والجنود العاملون حالياً، وجماعات قدامى المحاربين العسكريين، الذي يعملون حالياً في جميع أنحاء أفريقيا، يشكلون جميعاً أنواعاً شتى من «جيوش الحفظ» للبيئة والموارد الطبيعية. ولكن الخيط المشترك الذي يجمعهم معاً، هو أنهم يسهمون في نشوء مرحلة من الحفاظ على الحياة البرية، أكثر نشاطاً واتساماً بالطابع العسكري.
نشرت صحيفة ديلي ميرور البريطانية في الآونة الأخيرة قصة إخبارية عن جنود بريطانيين يدربون حراس الغابات في الغابون، وادعت أن ذلك كان جزءاً من استراتيجية لمحاربة الإرهاب الدولي. وقيل للقراء، إن الصيد غير المشروع للحصول على العاج في الغابون مرتبط بتنظيم «بوكو حرام». وتكررت القصة بعد ذلك ببضعة أيام، في صحيفة «اندبندنت» التي استشهدت بصحيفة ديلي ميرور، كمصدر لها.
وقد يكون من الصعب انتقاد القوات الأجنبية على المشاركة في قضيتين تبدوان وجيهتين. فمَن سيكون معارضاً بجدّية لحماية الفيلة من الأذى، أو محاربة بوكو حرام؟ وإذا كانت العملية ذاتها تستطيع إنجاز الأمرين معاً في وقت واحد، فذلك أفضل.
ولكن صورة «الجيش البيئي» الفاعل للخير، تصرف الانتباه عن طرح أسئلة مهمة أخرى مثل: ما يدفع إلى الصيد غير المشروع في المقام الأول؟ وما الدور الذي يلعبه الفقر في ذلك؟ ولِمَ تكون الغابون فقيرة على الرغم من الاحتياطيات النفطية الكبيرة؟ وهل كان الوجود العسكري الجديد موضع ترحيب من السكان المحليين؟
والعديد من الجيوش الجديدة لحماية البيئة التي تعمل في أفريقيا، لديها أهداف أخرى، أكثر ارتباطاً بالظروف في بلدانها. فمنظمة «قدامى المحاربين المختصين بحماية الحياة البرية الأفريقية» ومقرّها الولايات المتحدة، مثال على ذلك. فالمنظمة تهدف إلى خفض معدلات البطالة بين قدامى محاربي 11/9 باستخدام مهاراتهم لتدريب حراس الغابات، ومحاربة المخالفين مباشرة.
وكانت هذه المنظمة في بادئ الأمر، تقدم خدمات مكافحة الصيد غير المشروع في تنزانيا. ولكن في عام 2015، أمرتها الحكومة بالمغادرة، بعد أن انتشرت تعليقات أحد أعضائها، المحارب القديم في الجيش الأمريكي، كينيسا جونسون، عن «قتل الأشرار»، انتشاراً واسعاً، وجلبت دعاية سلبية. وقد تعاقدت المنظمة حالياً للقيام بعمليات مكافحة الصيد غير المشروع في الخدمات الخاصة في جنوب أفريقيا، حيث تدعي أن نشاطها يساعد المحاربين القدامى على أن يشعروا بالسكينة، ويتكيفوا مع اضطراب ما بعد الصدمة.
وهنالك أمثلة كثيرة على سوء المعاملة التي يتعرض لها السكان المحليون من قِبل هذه الجيوش. كما أن هذه الطريقة في التعامل مع الصيد غير المشروع لا تستطيع معالجة الأسباب المعقدة وغير المفهومة لاستمرار وجوده، ولا هي معنية بذلك أصلاً. ومن بين هذه الأسباب الفقر، وإكراه أفراد المجتمعات المستضعفة على الصيد غير الشرعي، لصالح منظمات مهربي منتجات الحياة البرية. كما أن الصيد غير المشروع، أحد العواقب البعيدة المدى لقرارات الأنظمة الاستعمارية، التي خلقت مناطق محمية لممارسة رياضة الصيد ورحلات القنص، وحرمت السكان المحليين في الوقت ذاته من صيد الكفاف للحصول على لقمة العيش. كما أنه ناجم أيضاً عن ازدياد طلب الدول الغنية على منتجات الحياة البرية الغريبة.
وعلى المدى الطويل، لا تستطيع «جيوش حفظ» الحياة البرية، إصلاح أيٍّ مما سبق. وفي أسوأ الأحوال، ستكون نتائجها عكسية، وسوف تؤدي إلى إقصاء المجتمعات ذاتها، اللازمة لجعل ذلك الحفظ يؤتي ثماره.
روزالين دافي أستاذة السياسة الدولية، وحنا ديكنسون باحثة، دكتوراه في الاتجار بالأحياء البرية، ولور جواني، باحثة، دكتوراه في تقنيات المراقبة الخضراء، والثلاثة في جامعة شيفيلد (البريطانية).
موقع: ذي كنفرسيشن