حافظ ومش فاهم
محمد سعيد القبيسي
يبدو أن تعاقب الأنظمة وتواليها واحدا تلوالآخر، ماهي إلا تكملة لمشوار من ماتوا من قبلهم، وتطبيق السياسات نفسها حرفيا دون أي تغيير (حافظ ومش فاهم)، بمعنى آخر فهي سياسات تطبق ولكن ليس بمفهومها المتعارف في المسؤوليات والاحتياجات اللازمة تجاه الوطن والمواطن، بل في كيفية تكييف الوطن والمواطن لاحتياجات هذه الانظمة، ورغم مرور السنين وتعاقب الاجيال وتغير الاحوال، الا ان بعض الانظمة لم تتغير ولاتزال مظلة المؤامرات الخارجية ومحاربة العدو هي المظلة التي تستظل بها حتى الان، ولاتخلو اي تصريحات او تقارير اعلامية من ذكر (المؤامرة والعدو) حتى اصبحت شعارا يردده الجميع، ولاندري اين هذا العدو المرتقب الذي لم يظهر بعد، ام هل هي مبررات للميزانيات الضخمة التي تحول الى بند الدفاع لشراء الاسلحة وتجهيز الجيوش، والتجنيد الاجباري لالاف الشباب سنويا تحسبا لاي مؤمرات او صد اي هجمات من قوات العدو كما يزعمون.
وأين تلك الجيوش المجهزة؟
لقد قرأت مؤخرا خبرا في إحدى الصحف بان احد الرؤساء المخلوعين كان يحصل على عمولات من كل صفقات السلاح التي تبرمها بلاده، وهذا مايبرر مارايناه لبعض الجيوش على شاشات التلفزة و وسائل الاعلام المختلفة من قطع حربية ماهي الا خردة بالية انتهت صلاحيتها، تسير بجانب حاملات جنود وسيارات يعود تاريخ صنعها الى السبعينات، هذا اذا لم يكن قبل ذلك، حيث يخيل لمن يشاهد هذه القوات بانه امام برنامج وثائقي لجيش من الحرب العالمية الاولى، إذ لا توحي هذه الجيوش او هذه القوات بان هناك اي ميزانيات قد خصصت، او تم عمل اي تحديثات او تجهيزات لهم مؤخرا، او انهم ينتمون لجيش من هذا العصر، ولقد لفت نظري احد الجنود وقد وضعت صورته على احد الصحف العربية وهو يحمل سلاح الكلاشينكوف وقد تم لفه بشريط لاصق كي لا يتفكك، فكيف لهذا الجندي بان يدافع او يحارب بسلاح كهذا، ان سخاء العمولات من تلك الصفقات المشبوهة، اخذت جل اهتمام تلك الانظمة واولوياتها على حساب المشاريع التنموية الاخرى، تاركة وراءها شعبا فقيرا لاهثا وراء توفير لقمة العيش.
الم تكن ميزانيات الرعايا الصحية والتعليم وتوفير فرص العمل والسكن الملائم ومتطلبات الحياة الاساسية هي من الاولويات التي لابد من ان تكون على قائمة اي نظام، اليس الشعب هو اساس قيام هذه الانظمة، الم يكن التركيز على الواقع ونبذ الاوهام والمعتقدات التي عفا عليها الزمن وحملتها الانظمة الحالية من سابقتها وحمل وزرها الشعب الآن أولى من أي شيء آخر.
إن التمثيليات القديمة التي لعبتها تلك الانظمة على شعوبها قد انتهت صلاحيتها، ولاتصلح مع الفكر الجديد للاجيال الناشئة، وهو مالم تستوعبه الانظمة الحالية، فزاد الخلاف وازدادت معه الفجوة مابين الشعب والنظام فلا الشعب يصدق ولا النظام استوعب، فقامت الثورة وقاومت الانظمة فانتصرت في اماكن ولاتزال تنازع وتقاوم في اماكن أخرى، فالاماكن التي انتصرت بها الثورات قد اجتثت تلك الانظمة من جذورها، فلا سبيل لعودتها ولا لمن على شاكلتها، لتبدأ المشوار على طريق الاختيار والانتخاب في توظيف حكومات جديدة تتلائم مع الفكر الحديث لتلك الشعوب، وقادرة على التكيف مع تطورات العصر ومواكبته، فلا وجود للمؤامرات الخارجية ولا للعدو المرتقب.
لقد أزاحت الثورات الكثير من الخبايا وتعرت أمام العالم حقائق عن انظمة فاسدة ومتهالكة فضلت مصالحها الشخصية على مصالح بلدانها وشعوبها، فجمعت المليارات وزادت ارصدتها في وقت كانت تطالب العالم بإسقاط ديونها ومساعدتها على تخطي ذلك، وهاهي الآن بعد الثورات تطالب بالحرية مقابل التنازل عن كل ثرواتها، فهل يستجيب الشعب؟.
نشرت على العربية نت