مقالات عامة

حدود الاختلاف

خيري منصور

إذا صح ما يُقال إن الرتابة والنمطية والتشابه إفقار للحياة، بعكس الاختلاف والتنوع، اللذين يُثريانها، فإن قبول هذه المقولة يشترط تعريفاً دقيقاً للاختلاف، والتفريق بينه وبين الخلاف، وهذا ما عبر عنه ذات يوم لورنس داريل بقوله علينا أن نكون مع أفلاطون ضد أرسطو، ومع أرسطو ضد أفلاطون؛ لكي يستمر التاريخ.
والمقصود بذلك هو الِمران على الاختلاف، وتأهيل النفس لقبول الآخر والتعايش معه؛ بحيث يكون التكامل هو البديل الأسمى للتآكل والإقصاء المتبادل!
لهذا ينتج الغلاة والمتطرفون أمثالهم، ويلتقون رغم التناقض الظاهر في منتصف المسافة؛ لأنهم متشابهون رغم الاختلاف، وشعار كل طرف منهم هو الكُل أو لا شيء، وغالباً ما ينتهون إلى ما انتهى إليه ذلك الغراب، الذي جاع حتى الغروب ثم صاح آهٍ على ذبابة!
إن قبول الآخر المختلف يتطلب تدجيناً حضارياً للأنانية وغريزة الاستحواذ، ولولا مراحل التمدن، التي مر بها البشر لما بلغوا هذا الرشد الحضاري، لكنّ لكل اختلاف حدوداً ما إن يتخطاها حتى يصبح خِلافاً جذرياً، وتنعدم القواسم المشتركة، وتنسد الآفاق!
والمتخصصون في دراسة الأزمات وإدارتها يبدأون من بديهية تقول إن تدارك الأزمة خير من إدارتها والعمل على انفراجها، وهذا ليس متعذراً إذا توفرت النوايا الطيبة، وحين سعت الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة من الحكماء؛ لتدارك الأزمات قبل اندلاعها تحت عنوان: «الدبلوماسية الوقائية» نجحت إلى حد ما في تدارك أزمات، والحد من تفاقم أزمات أخرى، لكن ما يهدد جدية وجدوى مثل هذه المبادرات؛ هو مصالح الدول الكبرى ذات النفوذ في النطاق الدولي؛ لأنها تنحاز لطرف على حساب آخر إذا كان ذلك لصالحها.
وخير سبيل لإبقاء الشعرة الدقيقة الفاصلة بين الخلاف والاختلاف؛ هو التأهيل والمِران على ثقافة التعايش!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى